قَوْلُهُ: «الْبِكْرُ يَسْتَأْمِرُهَا أَبُوهَا» قَالَ الشَّارِحُ: الِاسْتِئْمَارُ: طَلَبُ الأَمْرِ، وَالْمَعْنَى: لا يَعْقِدُ عَلَيْهَا حَتَّى يَطْلُبَ الأَمْرَ مِنْهَا.

قَوْلُهُ: «لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ» عَبَّرَ لِلثَّيِّبِ بِالِاسْتِئْمَارِ وَالْبِكْرِ بِالِاسْتِئْذَانِ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الِاسْتِئْمَارَ يَدُلُّ عَلَى تَأْكِيدِ الْمُشَاوَرَةِ وَجَعْلِ الأَمْرِ إلَى الْمُسْتَأْمرة، وَلِهَذَا يَحْتَاجُ الْوَلِيُّ إلَى صَرِيحِ إذْنِهَا، وَالْبِكْرُ بِخِلافِ ذَلِكَ، وَالإِذْنُ دَائِرٌ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالسُّكُوتِ.

قَوْلُهُ: (حَطَّتْ) أَيْ: مَالَتْ وَأَسْرَعَتْ. وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ عَلَى اعْتِبَارِ الرِّضَا مِنْ الْمَرْأَةِ الَّتِي يُرَادُ تَزْوِيجُهَا، وَأَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ صَرِيحِ الإِذْنِ مِنْ الثَّيِّبِ وَيَكْفِي السُّكُوتُ مِنْ الْبِكْرِ، إلَى أن قَالَ: وَظَاهِرُ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّ الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ إذَا زُوِّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهَا لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْعِتْرَةُ وَالْحَنَفِيَّةُ، وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلأَبِ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ قَوْلِهِ: «وَالْبِكْرُ يَسْتَأْمِرُهَا أَبُوهَا» . وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الأَوَّلُونَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا» إلَى

آخره، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا» أَنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَالْجَدُّ كَالأّبِّ فِي الإِجْبَارِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَد. وَلَيْسَ لِلأَبِّ إِجْبَار بَنْت التِّسْع بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثيبًا، وَهُوَ رِوَايةٌ عَنْ أَحْمَدٍ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَرِضَا الثَّيِّب الْكَلام، وَالْبِكْرِ الصُّمَاتُ. انْتَهَى.

بَابُ الِابْنِ يُزَوِّجُ أُمَّهُ

3472- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّهَا لَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُهَا قَالَتْ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِي شَاهِدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِكِ شَاهِدٌ وَلا غَائِبٌ يَكْرَهُ ذَلِكَ» . فَقَالَتْ لِابْنِهَا: يَا عُمَرُ: قُمْ فَزَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَزَوَّجَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ بِأَنَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015