فَقُلْت: بَلَى، فَقَالَ: «إنَّ لَك رِقَابَهُنَّ وَمَا عَلَيْهِنَّ فَإِنَّ عَلَيْهِنَّ كِسْوَةً وَطَعَامًا أَهْدَاهُنَّ إلَيَّ عَظِيمُ فَدَكَ فَاقْبِضْهُنَّ وَاقْضِ دَيْنَك» . فَفَعَلْت. مُخْتَصَرٌ لأَبِي دَاوُد.
3202- وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: أَتَتْنِي أُمِّي رَاغِبَةً فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَسَأَلْت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَصِلُهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3203- زَادَ الْبُخَارِيُّ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهَا: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} وَمَعْنَى رَاغِبَةً: أَيْ طَامِعَةً تَسْأَلُنِي شَيْئًا.
3204- وَعَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَدِمَتْ قُتَيْلَةُ ابْنَةُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ سَعْدٍ عَلَى ابْنَتِهَا أَسْمَاءَ بِهَدَايَا ضِبَابٍ وَأَقِطٍ وَسَمْنٍ - وَهِيَ مُشْرِكَةٌ - فَأَبَتْ أَسْمَاءُ أَنْ تَقْبَلَ هَدِيَّتَهَا وَتُدْخِلَهَا بَيْتَهَا، فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} إلَى آخِرِ الآيَةِ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَقْبَلَ هَدِيَّتَهَا وَأَنْ تُدْخِلَهَا بَيْتَهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
3205- وَعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ: أَنَّهُ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - هَدِيَّةً أَوْ نَاقَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَسْلَمْتَ» ؟ قَالَ: لا. قَالَ: «إنِّي نُهِيتُ عَنْ زَبْدِ الْمُشْرِكِينَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ مِنْ الْكَافِرِ، وَيُعَارِضُهَا حَدِيثُ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الآتِي، وَسَيَأْتِي الْجَمْعُ بَيْنهَا وَبَيْنَهُ وَالآيَةُ الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْهَدِيَّةِ لِلْكَافِرِ مُطْلَقًا مِنْ الْقَرِيبِ وَغَيْرِهِ وَلا مُنَافَاةَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا بَيْنَ قَوْله تَعَالَى: {لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآيَةُ، فَإِنَّهَا عَامَّةٌ فِي حَقِّ مَنْ قَاتَلَ وَمَنْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَالآيَةُ الْمَذْكُورَةُ خَاصَّةٌ بِمَنْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَأَيْضًا الْبِرُّ وَالصِّلَةُ وَالإِحْسَانُ لا تَسْتَلْزِمُ التَّحَابَّ وَالتَّوَادَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَمِنْ الأَدِلَّةِ الْقَاضِيَةِ بِالْجَوَازِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} وَمِنْهَا أَيْضًا: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَسَا عُمَرَ حُلَّةً فَأَرْسَلَ بِهَا إلَى أَخٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ.
قَوْلُهُ: (فَأَمَرَهَا أَنْ تَقْبَلَ هَدِيَّتَهَا) إلَى آخره فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قَبُولِ هَدِيَّةِ الْمُشْرِكِ وَعَلَى جَوَازِ إنْزَالِهِ مَنَازِلَ الْمُسْلِمِينَ.