وَاللَّفْظُ الأَوَّلُ دَلِيلُ امْتِنَاعِ الرَّهْنِ وَالضَّمِينِ فِيهِ، وَالثَّانِي يَمْنَعُ الإِقَالَةَ فِي الْبَعْضِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: السَّلَمِ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَاللامِ كَالسَّلَفِ وَزْنًا وَمَعْنًى. وَحُكِيَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ السَّلَفَ لُغَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَالسَّلَمَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالسَّلَمُ: بَيْعٌ مَوْصُوفٌ فِي الذِّمَّةِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهُ مَا يُشْتَرَطُ لِلْبَيْعِ، وَعَلَى تَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ.
قَوْلُهُ: «فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ» اُحْتُرِزَ بِالْكَيْلِ عَنْ السَّلَمِ فِي الأَعْيَانِ، وَبِقَوْلِهِ: «مَعْلُومٍ» عَنْ الْمَجْهُولِ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ.
قَوْلُهُ: «إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ الأَجَلِ فِي السَّلَمِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَقَالُوا: لا يَجُوزُ السَّلَمُ حَالًّا، وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ: يَجُوزُ، قَالُوا:؛ لأَنَّهُ إذَا جَازَ مُؤَجَّلًا مَعَ الْغَرَرِ فَجَوَازُهُ حَالًّا أَوْلَى، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْجُمْهُورُ فِي مِقْدَارِ الأَجَلِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لا فَرْقَ بَيْنَ الأَجَلِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَقَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ: لا بُدَّ مِنْ أَجَلٍ تَتَغَيَّرُ فِيهِ الأَسْوَاقُ، وَأَقَلُّهُ عِنْدَهُمْ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ، وَعِنْدَ ابْنِ قَاسِمٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَأَجَازَ مَالِكٌ السَّلَمَ إلَى الْعَطَاءِ وَالْحَصَادِ وَمَقْدَمِ الْحَاجِّ، وَالْحَقُّ مَا ذَهَبَتْ إلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ الأَجَلِ لِعَدَمِ وُرُودِ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا يُقَالُ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ مَعَ عَدَمِ الأَجَلِ أَنْ يَكُونَ بَيْعًا لِلْمَعْدُومِ، وَلَمْ يُرَخَّصْ فِيهِ إلا فِي السَّلَمِ، وَلا فَارِقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ إلا الأَجَلَ فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الصِّيغَةَ فَارِقَةٌ وَذَلِكَ كَافٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ لِلسَّلَمِ شُرُوطًا غَيْرَ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ مَبْسُوطَةً فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَلا حَاجَةَ لَنَا فِي التَّعَرُّضِ لِمَا لا دَلِيلَ عَلَيْهِ إلا أَنَّهُ وَقَعَ الإِجْمَاعُ عَلَى اشْتِرَاطِ مَعْرِفَةِ صِفَةِ الشَّيْءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَيَّزُ بِتِلْكَ الْمَعْرِفَةِ عَنْ غَيْرِهِ انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قَوْلُهُ: (مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ، وَذَلِكَ مُسْتَفَادٌ مِنْ تَقْرِيرِهِ - صلى الله عليه وسلم - لَهُمْ مَعَ تَرْكِ الاسْتِفْصَالِ.