قَالَ: وَاخْتَلَفَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: «إنِّي صَائِمٌ» هَلْ يُخَاطِبُ بِهَا الَّذِي يَشْتُمُهُ وَيُقَاتِلُهُ أَوْ يَقُولُهَا فِي نَفْسِهِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: كُلٌّ مِنْهُمَا حَسَنٌ، وَالْقَوْلُ بِاللِّسَانِ أَقْوَى.
قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ) . قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا مَفْهُومَ لِذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ فَلَيْسَ لِلَّهِ إرَادَةٌ فِي صِيَامِهِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ تُنْقِصُ ثَوَابَ الصَّوْمِ.
2144- عَنْ عُمَرَ قَالَ: هَشَشْتُ يَوْمًا فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: صَنَعْتُ الْيَوْمَ أَمْرًا عَظِيمًا، قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ بِمَاءٍ وَأَنْتَ صَائِمٌ» ؟ قُلْتُ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «فَفِيمَ» ؟ . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
2145- وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ الْحَرِّ وَهُوَ صَائِمٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (هَشَشْتُ) أَيْ نَشِطَتْ وَارْتَحْتُ، وَالْهَشَاشُ فِي الْأَصْلِ: الِارْتِيَاحُ وَالْخِفَّةُ وَالنَّشَاطُ.
قَوْلُهُ: «أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ» . إلَى آخره. فِيهِ إشَارَةٌ إلَى فِقْهٍ بَدِيعٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ لَا تُنْقِصُ الصَّوْمَ وَهِيَ أَوَّلُ الشُّرْبِ وَمِفْتَاحُهُ، فَكَذَلِكَ الْقُبْلَةُ لا تُنْقِصُهُ وَهِيَ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ وَأَوَائِلِهِ، وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي التَّقْبِيلِ.
قَوْلُهُ: (يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ) إلَى آخره. فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَكْسِرَ الْحَرَّ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَى بَعْضِ بَدَنِهِ أَوْ كُلِّهِ.
2146- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.