لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا لَا لِمَنْ يَرُدُّهَا صَدَقَةً. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ الرُّجُوعِ عَنْ الصَّدَقَةِ وَأَنَّ شِرَاءَهَا بِرُخْصٍ نَوْعٌ مِنْ الرُّجُوعِ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ يُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ عنْ أَبِي سَعِيدٍ فِي حِلِّ الصَّدَقَةِ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ هَذَا عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَحَمَلَ قَوْمٌ هَذَا عَلَى التَّنْزِيهِ وَاحْتَجُّوا بِعُمُومِ قَوْلِهِ:
2077- «أَوْ رَجُلٌ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ» فِي خَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ابْتِيَاعُ ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ رَاوِي الْخَبَرِ، وَلَوْ فُهِمَ مِنْهُ التَّحْرِيمُ لَمَا فَعَلَهُ وَتَقَرَّبَ بِصَدَقَةٍ تَسْتَنِدُ إلَيْهِ.
قَالَ الشَّارِحُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَذَاكَ فِي صَدَقَةِ الْفَرِيضَةِ، فَيَكُونُ الشِّرَاءُ جَائِزًا فِي صَدَقَةِ الْفَرِيضَةِ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الرُّجُوعُ فِيهَا حَتَّى يَكُونَ الشِّرَاءُ مُشَبَّهًا لَهُ بِخِلَافِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ يَتَصَوَّرُ الرُّجُوعَ فِيهَا فَكَرِهَ مَا يُشْبِهُهُ وَهُوَ الشِّرَاءُ. انْتَهَى. قلت: الظاهر أن حديث أبي سعيد في اشتراء صدقة غيره لا صدقة نفسه.
2078- عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «تَصَدَّقْنَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ» . قَالَتْ: فَرَجَعْتُ إلَى عَبْدِ اللهِ فَقُلْتُ: إنَّكَ رَجُلٌ خَفِيفُ ذَاتِ الْيَدِ، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ فَائتِهِ فَاسْأَلْهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُجْزِئُ عَنِّي وَإِلا صَرَفْتُهَا إلَى غَيْرِكُمْ قَالَتْ: فَقَالَ
عَبْدُ اللهِ: بَلْ ائْتِيهِ أَنْتِ، قَالَتْ: فَانْطَلَقْتُ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ بِبَابِ ... رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَاجَتِي حَاجَتُهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ الْمَهَابَةُ، قَالَتْ: فَخَرَجَ عَلَيْنَا بِلالٌ فَقُلْنَا لَهُ: ائْتِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبِرْهُ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ بِالْبَابِ يَسْأَلانِكَ: أَتُجْزِئُ الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا عَلَى أَزْوَاجِهِمَا، وَعَلَى أَيْتَامٍ في حُجُورِهِمَا، وَلَا تُخْبِرْ مَنْ نَحْنُ، قَالَتْ: فَدَخَلَ بِلَالٌ فَسَأَلَهُ،