قَوْلُهُ: (أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ) . فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ: إنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى الْفَاسِقِ وَهُمْ الْعِتْرَةُ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْأَوْزَاعِيُّ، فَقَالُوا: لَا يُصَلَّى عَلَى الْفَاسِقِ تَصْرِيحًا أَوْ تَأْوِيلًا، وَوَافَقَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فِي الْبَاغِي وَالْمُحَارِبِ، وَوَافَقَهُمْ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ لَهُ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ. وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَى الْفَاسِقِ. وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - إنَّمَا لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ زَجْرًا لِلنَّاسِ وَصَلَّتْ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا عِنْدَ النَّسَائِيّ بِلَفْظِ: «أَمَّا أَنَا فَلَا أُصَلِّي عَلَيْهِ» . وَيَدُلُّ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى الْفَاسِقِ حَدِيثُ: «صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» .

الصَّلَاةُ عَلَى مَنْ قُتِلَ فِي حَدٍّ

1818- عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَاعْتَرَفَ بِالزِّنَا فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَقَال َلَهُ: «أَبِكَ جُنُونٌ» ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: «أُحْصِنْتَ» ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ بِالْمُصَلَّى؛ فَلَمَّا

أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ فَرَّ، فَأُدْرِكَ فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْرًا وَصَلَّى عَلَيْهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ.

1819- وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَقَالُوا: وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ.

وَرِوَايَةُ الْإِثْبَاتِ أَوْلَى.

1820- وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِأَنَّهُ صَلَّى عَلَى الْغَامِدِيَّةِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مَا نَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَى أَحَدٍ إلَّا عَلَى الْغَالِّ وَقَاتِلِ نَفْسِهِ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: رِوَايَةُ الصَّلَاةِ أَرْجَحُ مِنْ جِهَاتٍ:

الْأُولَى: كَوْنُهَا فِي الصَّحِيحِ.

الثَّانِيَةُ: كَوْنُهَا مُثْبَتَةً.

الثَّالِثَةُ: كَوْنُهَا مُعْتَضَدَةً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015