قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «لا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلا خَائِنَةٍ» . صرح أبو عبيدة بأن الخيانة تكون في حقوق الله كما تكون في حقوق الناس.
قَوْلُهُ: «وَلا ذِي غِمْرٍ» قَالَ أَبُو دَاوُد: الْغِمْرُ: الْحِنَةُ وَالشَّحْنَاءُ، وَالْحِنَةُ: الْحِقْدُ وَالشَّحْنَاءُ: الْعَدَاوَةُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَدَاوَةَ تَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ لأنَّهَا تُوَرِّثُ التُّهْمَةَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: الْعَدَاوَةُ لأجْلِ الدِّينَ لا تَمْنَعُ.
قَوْلُهُ: «وَلا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَانِعِ لأهْلِ الْبَيْتِ» هُوَ الْخَادِمُ الْمُنْقَطِعُ إلَى الْخِدْمَةِ فَلا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِلتُّهْمَةِ بِجَلْبِ النَّفْعِ إلَى نَفْسِهِ.
قَوْلُهُ: «وَلا زَانٍ وَلا زَانِيَةٍ» الْمَانِعُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا الْفِسْقُ الصَّرِيحُ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي شَهَادَةِ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَالْعَكْسُ، وَشَهَادَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لَلآخَرِ، وَلا رَيْبَ أَنَّ الْقَرَابَةَ وَالزَّوْجِيَّةَ مَظِنَّةٌ لَلتُّهْمَةِ لأنَّ الْغَالِبَ فِيهِمَا الْمُحَابَاةُ وَحَدِيثُ «وَلا ظَنِينٍ» يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الْمُتَّهَمِ، فَمَنْ كَانَ مَعْرُوفًا مِنْ الْقَرَابَةِ وَنَحْوِهِمْ بِمَتَانَةِ الدِّينِ الْبَالِغَةِ إلَى حَدٍّ لا يُؤَثِّرُ مَعَهَا مَحَبَّةُ الْقَرَابَةِ فَقَدْ زَالَتْ حِينَئِذٍ مَظِنَّةُ التُّهْمَةِ وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَالْوَاجِبُ عَدَمُ الْقَبُولِ لِشَهَادَتِهِ لأنَّهُ مَظِنَّةٌ لِلتُّهْمَةِ. انْتَهَى مُلَخْصًا.
قَوْلُهُ: «لا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَدَوِيٍّ عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ» قَالَ فِي النِّهَايَةِ: إنَّمَا كَرِهَ شَهَادَةَ الْبَدَوِيِّ لَمَا فِيهِ مِنْ الْجَفَاءِ فِي الدِّينِ وَالْجَهَالَةِ بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ، وَلأنَّهُمْ فِي الْغَالِبِ لا يَضْبِطُونَ الشَّهَادَةَ عَلَى وَجْهِهَا وَذَهَبَ إلَى الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ جَمَاعَةٌ وَذَهَبَ الأكْثَرُ إلَى الْقَبُولِ. قَالَ ابْنُ رَسْلانَ: وَحَمَلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى مَنْ لَمْ تُعْرَفْ عَدَالَتُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ. انْتَهَى مُلَخْصًا.
4999- عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ بِدَقُوقَا هَذِهِ وَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُشْهِدُهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ، فَأَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَدِمَا الْكُوفَةَ فَأَتَيَا الأشْعَرِيَّ -يَعْنِي أَبَا مُوسَى- فَأَخْبَرَاهُ وَقَدِمَا بِتَرِكَتِهِ وَوَصِيَّتِهِ. فَقَالَ الأشْعَرِيُّ: هَذَا أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَحْلِفْهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ مَا خَانَا وَلا كَذَبَا وَلا بَدَّلا وَلا