قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «الْزَمْهُ» بِفَتْحِ الزَّايِ، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ مُلازَمَةِ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ بَعْدَ تَقَرُّرِهِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ، إلَى أنْ قَالَ: وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْمُلازَمَةِ بَلْ فِيهِ التَّشْدِيدُ عَلَى الْمَدْيُونِ بِإِيجَابِ الْقَضَاءِ وَعَدَمِ قَبُولِ دَعْوَاهُ الإِعْسَارَ لِمُجَرَّدِهَا مِنْ دُونِ بَيِّنَةٍ وَعَدَمِ الاعْتِدَادِ بِيَمِينِهِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْمَالِ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا.
4983- عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهُمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى: «يَا كَعْبُ» . قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا» . وَأَوْمَأَ إلَيْهِ: أَيْ الشَّطْرَ، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «قُمْ فَاقْضِهِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.
وَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ جَوَازُ الْحُكْمِ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنَّ مَنْ قِيلَ: لَهُ: بِعْ، أَوْ: هَبْ، أَوْ: أَبِرَّ، فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُ، وَأَنَّ الإِيمَاءَ الْمَفْهُومَ يَقُومُ مَقَامَ النُّطْقِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالْمُرَادُ بِهَذَا الأمْرِ الْوَاقِعِ مِنْهُ - صلى الله عليه وسلم - الإِرْشَادُ إلَى الصُّلْحِ وَالشَّفَاعَةِ فِي تَرْكِ بَعْضِ الدَّيْنِ، وَفِيهِ فَضِيلَةُ الصُّلْحِ وَحُسْنُ التَّوَسُّطِ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ.
قَوْلُهُ: «قُمْ فَاقْضِهِ» قِيلَ: هَذَا أَمْرٌ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ لأنَّ رَبَّ الدَّيْنِ لَمَّا طَاوَعَ بِوَضْعِ الشَّطْرِ تَعَيَّنَ عَلَى الْمَدْيُونِ أَنْ يُعَجِّلَ إلَيْهِ دَيْنَهُ لِئَلا يَجْمَعَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بَيْنَ الْوَضِيعَةِ وَالْمُطُلِ.
4984 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي بِنَحْوٍ