وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَثَنِيَّ إذَا تَهَوَّدَ يُقَرُّ وَيَكُونُ كَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَعَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ قَالَ: قُلْتُ لَمُجَاهِدٍ: مَا شَأْنُ أَهْلِ الشَّامِ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ، وَأَهْلِ الْيَمَنِ عَلَيْهِمْ دِينَارٌ؟ قَالَ: جُعِلَ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْيَسَارِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
4460- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَصْلُحُ قِبْلَتَانِ فِي أَرْضٍ، وَلَيْسَ عَلَى مُسْلِمٍ جِزْيَةٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ عَلَى سُقُوطِ الْجِزْيَةِ بِالإِسْلامِ وَعَلَى الْمَنْعِ مِنْ إحْدَاثِ بَيْعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ.
4461- وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عُشُورٌ، إنَّمَا الْعُشُورُ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
4462- وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا، فَجِيءَ بِهَا إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: أَرَدْت أَنْ أَقْتُلَكَ، فَقَالَ: «مَا كَانَ اللهُ لِيُسَلِّطكِ عَلَى ذَلِكَ» . قَالَ: فَقَالُوا: أَلا نَقْتُلُهَا؟ قَالَ: «لا» . فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَهْدَ لا يَنْتَقِضُ بِمِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ.
قَوْلُهُ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا مِنْ الْكَلامِ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ؛ لأنَّ الْمُرَادَ سُنَّةُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ فَقَطْ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَيْسَ تَحْرِيمُ نِكَاحِهِمْ وَذَبَائِحِهِمْ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ الأكْثَرُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَيْهِ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْحِكْمَةُ فِي وَضْعِ الْجِزْيَةِ أَنَّ الَّذِي يَلْحَقُهُمْ يَحْمِلُهُمْ عَلَى الدُّخُولِ فِي الإِسْلامِ
مَعَ مَا فِي مُخَالَطَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الِاطِّلاعِ عَلَى مَحَاسِنِ الإِسْلامِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قَوْلُهُ: (فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {لا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ} ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ الْوَثَنِيُّ الدُّخُولَ فِي الْيَهُودِيَّةِ أَوْ النَّصْرَانِيَّةِ جَازَ تَقْرِيرُهُ عَلَى ذَلِكَ.