وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَعْلامِ النُّبُوَّةِ، لِإِخْبَارِهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا سَيَكُونُ مِنْ مُلْكِ الْمُسْلِمِينَ هَذِهِ الأقَالِيمَ وَوَضْعِهِمْ الْجِزْيَةَ وَالْخَرَاجَ، ثُمَّ بُطْلانِ ذَلِكَ. وَوَجْهُ اسْتِدْلالِ الْمُصَنِّفِ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ عَلِمَ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ يَضَعُونَ الْخَرَاجَ عَلَى الأرْضِ وَلَمْ يُرْشِدْهُمْ إلَى خِلافِ ذَلِكَ بَلْ قَرَّرَهُ وَحَكَاهُ لَهُمْ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
4411- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ ذَكَرَ فَتْحَ مَكَّةَ فَقَالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَدَخَلَ مَكَّةَ فَبَعَثَ الزُّبَيْرَ عَلَى إحْدَى الْمُجَنَّبَتَيْنِ وَبَعَثَ خَالِدًا عَلَى الْمُجَنَّبَةِ الأخْرَى، وَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الْحُسَّرِ فَأَخَذُوا بَطْنَ الْوَادِي، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي كَتِيبَتِهِ، قَالَ: وَقَدْ وَبَّشَتْ قُرَيْشٌ أَوْبَاشَهَا، وَقَالُوا: نُقَدِّمُ هَؤُلاءِ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ شَيْءٌ كُنَّا مَعَهُمْ، وَإِنْ أُصِيبُوا أَعْطَيْنَا الَّذِي سُئِلْنَا، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَفَطِنَ فَقَالَ لِي: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ» . قُلْت: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «اهْتِفْ لِي بِالأنْصَارِ وَلا يَأْتِينِي إِلا أَنْصَارِيٌّ» . فَهَتَفَ بِهِمْ فَجَاءُوا فَطَافُوا بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «تَرَوْنَ إلَى أَوْبَاشِ قُرَيْشٍ وَأَتْبَاعِهِمْ» ؟ ثُمَّ قَالَ بِيَدَيْهِ إحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى: «اُحْصُدُوهُمْ حَصَدًا حَتَّى تُوَافُونِي بِالصَّفَا» . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَانْطَلَقْنَا فَمَا يَشَاءُ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَقْتُلَ مِنْهُمْ مَا شَاءَ إِلا قَتَلَهُ، وَمَا أَحَدٌ مِنْهُمْ يُوَجِّهُ إلَيْنَا شَيْئًا، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أُبِيدَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ لا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ» . فَأَغْلَقَ النَّاسُ أَبْوَابَهُمْ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى الْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَفِي يَدِهِ قَوْسٌ وَهُوَ آخِذٌ بِسِيَةِ الْقَوْسِ فَأَتَى فِي طَوَافِهِ عَلَى صَنَمٍ إلَى جَنْبِ الْبَيْتِ يَعْبُدُونَهُ، فَجَعَلَ يَطْعَنُ بِهِ فِي عَيْنِهِ وَيَقُولُ: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} ثُمَّ أَتَى الصَّفَا فَعَلا حَيْثُ يَنْظُرُ إلَى الْبَيْتِ، فَرَفَعَ
يَدَهُ فَجَعَلَ يَذْكُرُ اللهَ بِمَا شَاءَ أَنْ يَذْكُرَهُ وَيَدْعُوَهُ وَالأنْصَارُ تَحْتَهُ، قَالَ: يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ وَرَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَجَاءَ الْوَحْيُ وَكَانَ إذَا جَاءَ لَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ يَرْفَعُ طَرَفَهُ إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى يُقْضَى، فَلَمَّا قُضِيَ الْوَحْيُ رَفَعَ