أَنْ يُحَلِّفَهُ بِنَحْوِ الطَّلَاقِ فَلِلْقَاضِي ذَلِكَ لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ فِي زَمَانِنَا وَقَرَّرَ أَيْضًا كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ إذَا نَكَلَ لَا يَقْضِي وَإِذَا قَضَى لَا يَنْفُذُ قَالُوا إذَا حَلَفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ خَصْمُهُ احْلِفْ لِي بِالطَّلَاقِ حَتَّى أُصَدِّقُك فَهُوَ مِنْ الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا. لَكِنْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ» قِيلَ وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ كَمَا عَرَفْت أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَعِنْدَ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَفْهُومُ عَنْ بَعْضٍ أَنَّهُ إنْ بِالْمَاضِي فَمَكْرُوهٌ مُطْلَقًا وَإِنْ بِالْمُسْتَقْبَلِ فَإِنْ لِلْوَثِيقَةِ فَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ فِي زَمَانِنَا وَإِلَّا فَمَكْرُوهٌ أَيْضًا وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا نُقِلَ عَنْ الْبَحْرِ وَعَنْ الْبَعْضِ إنْ أُضِيفَ إلَى الْمَاضِي فَمَكْرُوهٌ وَإِلَى الْمُسْتَقْبَلِ لَا وَهُوَ الْأَحْسَنُ وَفِي الْخُلَاصَةِ فَجَائِزٌ إنْ مَسَّتْ الْحَاجَةُ وَرَأَى الْقَاضِي ذَلِكَ وَعَنْ الْقُنْيَةِ وَقَوْلُ الْجَاهِلِ بِاَللَّهِ " بخداي ويبغامبر " هَذَا حَلِفٌ وَفِيهِ خَطَرٌ عَظِيمٌ لِأَنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَ اللَّهِ وَالرَّسُولِ ثُمَّ قَالَ مَا حَاصِلُهُ إنَّهُ لَيْسَ بِجَائِزٍ.
(الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ كَثْرَةُ الْحَلِفِ وَلَوْ عَلَى الصِّدْقِ) لِاسْتِهَانَتِهِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَانْتِهَاكِ حُرْمَةِ الْقَسَمِ وَاعْتِيَادِ لِسَانِهِ عَلَى ذَلِكَ وَلِذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ مَا حَلَفْت لَا صَادِقًا وَلَا كَاذِبًا (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً} [البقرة: 224] جُنَّةً وَمَحَلًّا {لأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 224] عَنْ الْمِصْبَاحِ يُقَالُ فُلَانٌ عُرْضَةٌ لِلنَّاسِ أَيْ مُعْتَرِضٌ لَهُمْ فَلَا يَزَالُونَ يَقَعُونَ فِيهِ وَقِيلَ الْعُرْضَةُ فُعْلَةٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ كَالْقُبْضَةِ يُطْلَقُ لِمَا يَعْرِضُ دُونَ الشَّيْءِ وَلِلْمُعْرِضِ لِلْأَمْرِ؛ وَمَعْنَى الْآيَةِ عَلَى الْأَوَّلِ لَا تَجْعَلُوا اللَّهَ حَاجِزًا لِمَا حَلَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْأَيْمَانِ الْأُمُورَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهَا وَعَلَى الثَّانِي وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ مَعْرِضًا لِأَيْمَانِكُمْ فَتَبْذُلُوهُ بِكَثْرَةِ الْحَلِفِ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ فَلَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَلْعَبَ بِاسْمِ رَبِّهِ فِي مَحَلِّ اللَّعِبِ وَلَا فِي مَحَلٍّ لَيْسَ مَحَلًّا لِلتَّعْظِيمِ {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ} [القلم: 10] كَثِيرِ الْحَلِفِ فِي الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ {مَهِينٍ} [القلم: 10] حَقِيرِ الرَّأْيِ مِنْ الْمَهَانَةِ وَهِيَ الْحَقَارَةُ