بِسَابِقِهِ ظَاهِرُهُ هُوَ الْكُفْرُ مُطْلَقًا صَادِقًا أَوْ كَاذِبًا وَالْمَطْلُوبُ وَالْمَسْأَلَةُ تَقْيِيدُهُ فَافْهَمْ وَلَوْ أُرِيدَ مِنْ قَوْلِهِ فَهُوَ نَصْرَانِيٌّ عُمُومُ مَجَازٍ شَامِلٍ لِلْكُفْرِ وَالْعِصْيَانِ بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَنْ يَرْجِعَ إلَخْ لَا يَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ وَيَكُونُ تَوْفِيقًا بَيْنَهُمَا بِحَسَبِ مَا يَلْزَمُهُمَا (وَ) ظَاهِرُ (هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَعْلِيقَ الشَّيْءِ بِمَا هُوَ كُفْرٌ كَاذِبًا كُفْرٌ) خَبَرُ تَعْلِيقَ لَكِنْ قَوْلُهُ كَاذِبًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَدِيثِ الْأَخِيرِ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ كَمَا أُشِيرَ (مُطْلَقًا) نَوَى الْيَمِينَ أَوْ لَا مَاضِيًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا (وَ) جُمْهُورُ (الْحَنَفِيَّةِ) وَإِلَّا فَلَا يَتِمُّ قَوْلُهُ آنِفًا حَتَّى ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ كُفْرٌ مُطْلَقًا وَقَدْ سَمِعْت مِنْ الدُّرَرِ قَوْلَ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ وَقَوْلَ الْبَحْرِ (قَيَّدُوهُ) أَيْ كَوْنَ التَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ كُفْرًا (بِمَا إذَا لَمْ يَنْوِ الْيَمِينَ) سَوَاءٌ نَوَى الْكُفْرَ حَقِيقَةً أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لِأَنَّ الشَّرْعَ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ (وَإِلَّا) أَيْ إنْ نَوَى الْيَمِينَ (فَيَمِينٌ لَا كُفْرٌ) لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ لَفْظِهِ (مَاضِيًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا) لَكِنْ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي الْمَاضِي لِأَنَّهَا غَمُوسٌ لَا كَفَّارَةٌ لِإِثْمِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُؤَوِّلُونَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ بِالْحَمْلِ عَلَى التَّهْدِيدِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي الْوَعِيدِ لَا الْحُكْمِ بِأَنَّهُ صَارَ يَهُودِيًّا أَوْ بَرِيئًا مِنْ الْإِسْلَامِ فَكَأَنَّهُ قَالَ فَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِمِثْلِ عَذَابِ مَا قَالَ وَنَظِيرُهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَرَكَ صَلَاةً عَمْدًا فَقَدْ كَفَرَ» أَيْ اسْتَوْجَبَ عُقُوبَةَ الْكَافِرِ وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْكَلَامِ يُسَمَّى فِي عُرْفِ الشَّرْعِ يَمِينًا وَهَلْ تَتَعَلَّقُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ فِيهِ
فَذَهَبَ النَّخَعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالْحَنَفِيَّةُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إلَى أَنَّهُ يَمِينٌ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ إنْ كَانَ لِلْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ كَانَ لِلْمَاضِي يَكُونُ غَمُوسًا لَيْسَ لَهُ كَفَّارَةٌ لِإِثْمِهِ فِي الدُّنْيَا سِوَى التَّوْبَةِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ إنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ وَلَا كَفَّارَةٍ فِيهِ لَكِنْ الْقَائِلُ بِهِ آثِمٌ صَدَقَ فِيهِ أَوْ كَذَبَ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَالذَّخِيرَةِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ إنْ اعْتَقَدَ الْكُفْرَ بِهِ يَكْفُرُ وَإِلَّا فَلَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالْمَاضِي جَمِيعًا وَفِي الْبَحْرِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَالِمًا أَنَّهُ يَمِينٌ إمَّا مُنْعَقِدَةٌ أَوْ غَمُوسٌ لَا يَكْفُرُ بِالْمَاضِي وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا وَعِنْدَهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ فِي الْغَمُوسِ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يَكْفُرُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِهِ فَقَدْ رَضِيَ بِالْكُفْرِ.
(وَ) الْقِسْمُ (الثَّانِي) مِنْ الْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى (مَا كَانَ بِحَرْفِ الْقَسَمِ فَهَذَا) الْقِسْمُ (كَبِيرَةٌ يُخَافُ مِنْهُ الْكُفْرُ) وَفِي النِّصَابِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَقُولَ لَعَمْرُ فُلَانٍ وَلَعَمْرُكَ فَإِنْ قَالَ كَذَلِكَ يَكُونُ آثِمًا وَإِنْ قَالَ لَعَمْرُ فُلَانٍ وَبَرِئَ فِي يَمِينِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَبِيرَةً وَبَعْضُهُمْ قَالُوا يَكْفُرُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ بِهَذَا فَإِذَا حَلَفَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبَرَّهُ وَيَجِبُ أَنْ يُخْلِفَ (طب عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَوْقُوفًا أَنَّهُ قَالَ لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى صَادِقًا) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَلَوْ كَانَ صَادِقًا أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ كَاذِبًا لِأَنَّ ذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ الشِّرْكِ وَالْمَعْصِيَةُ أَخَفُّ مِنْ الشِّرْكِ
وَفِي الْمُحِيطِ أَخَافُ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِحَيَاتِي وَبِحَيَاتِك وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ الْكُفْرَ فَلَوْلَا أَنَّ الْعَامَّةَ يَقُولُونَ وَلَا يَعْلَمُونَ بِهِ لَقُلْت إنَّهُ شِرْكٌ لِأَنَّهُ لَا يَمِينَ إلَّا بِاَللَّهِ فَإِذَا حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ كَمَا فِي النِّصَابِ لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ قِيلَ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إحْيَاءً لِحُقُوقِ النَّاسِ (ت حب حك عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -