تَعْظِيمِهِمْ فَإِنْ اعْتَقَدَ حِلَّهُ فَكَافِرٌ خَصَّهُمَا بِاللَّعْنِ لِتَأْكِيدِ حَقِّ الْحَرَمِ وَالْعِتْرَةِ وَعِظَمِ قَدْرِهِمَا بِإِضَافَتِهِمَا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَذَا الْمُنَاوِيُّ وَقِيلَ يَدْخُلُ فِيهِ الْقَاذِفُ لَهُمْ وَالشَّاتِمُ وَاَلَّذِي ظَنَّ بِهِمْ سُوءًا أَوْ اغْتَابَهُمْ أَوْ ظَلَمَهُمْ وَغَيْرَهَا فَإِثْمُهُ أَبْلَغُ مِنْ إثْمِ مَنْ فَعَلَ بِغَيْرِهِمْ حَيْثُ تَأَذَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَذَاهُمْ وَلِأَنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ مَرْجِعُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَأَكْثَرُ الْأَحْكَامِ إنَّمَا تُعْرَفُ مِنْ قِبَلِهِمْ.

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] «وَ» السَّادِسُ «التَّارِكُ لِسُنَّتِي» الَّذِي يَتْرُكُ سُنَّتِي.

قَالَ الْمُنَاوِيِّ بِأَنْ أَعْرَضَ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ تَرَكَ بَعْضَهَا اسْتِخْفَافًا أَوْ قِلَّةَ احْتِفَالٍ بِهَا وَالْمُرَادُ بِاللَّعْنِ الْإِبْعَادُ عَنْ الْخَيْرِ وَالرَّحْمَةِ فَإِنَّ مَنْ قَامَ فِي مَعْصِيَتِهِ بَعِيدٌ عَنْهُمَا.

وَقِيلَ نَقْلًا عَنْ التَّوْفِيقِ الَّذِي يَتْرُكُ سُنَنَ الْهُدَى عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ وَرَغْبَةً عَنْهَا وَاسْتِخْفَافًا فَهُوَ مَلْعُونٌ فَيَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ وَالْعِتَابَ وَقِيلَ يَكْفُرُ فَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ انْتَهَى يُشِيرُ كَلَامُ الْمُنَاوِيِّ إلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ بَعْضَ سُنَّةٍ لَا يَكُونُ مَعْصِيَةً مُوجِبَةً لِلْإِبْعَادِ عَنْ الْخَيْرِ وَالرَّحْمَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّ تَرْكَ سُنَّةٍ وَاحِدَةٍ مُوجِبٌ لِإِبْعَادِ خَيْرٍ مَنُوطٍ بِتِلْكَ السُّنَّةِ وَكَذَا الرَّحْمَةُ وَإِنْ تَرَكَ السُّنَّةَ اسْتِخْفَافًا لَيْسَ بِكُفْرٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كُفْرٌ إلَّا أَنْ يُرَادَ مِنْ الْإِبْعَادِ عَنْ الْخَيْرِ وَالرَّحْمَةِ مَا يَعُمُّ الْكُفْرَ وَبِهِ يَظْهَرُ الْمَنْقُولُ عَنْ التَّوْفِيقِ إذْ اسْتِخْفَافُ السُّنَّةِ بِلَا تَأْوِيلٍ كُفْرٌ وَالْكَلَامُ فِيمَا أُقِرَّتْ سُنِّيَّتُهُ.

وَكَذَا قَوْلُهُ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ إذْ مَا كَانَ ثُبُوتُهَا قَطْعًا كَالتَّوَاتُرِ فَمُنْكِرُهَا كَافِرٌ وَمَا كَانَ ثُبُوتُهَا شُهْرَةً فَمُفَسَّقٌ وَمَا كَانَ آحَادًا فَإِنْ وُجِدَتْ شُرُوطُ الرِّوَايَةِ مِنْ نَحْوِ الْعَدَالَةِ وَالضَّبْطِ وَالْمَعْرُوفِ فِيهِ فَمُلْحَقٌ بِالشُّهْرَةِ وَإِلَّا فَلَا يُوجِبُ الْعِقَابَ وَالْعِتَابَ فَلْيُتَأَمَّلْ (خ م) الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (عَنْ أَنَسٍ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ (قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُؤْمِنُ» إيمَانًا كَامِلًا كَمَا نُقِلَ عَنْ فَتْحِ الْبَارِي أَوْ إيمَانًا صَحِيحًا كَمَا نُقِلَ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ.

قَالَ الْمُنَاوِيُّ الْمُرَادُ بِنَفْيِهِ نَفْيُ بُلُوغِ حَقِيقَتِهِ وَنِهَايَتِهِ مِنْ قَبِيلِ خَبَرِ «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» «أَحَدُكُمْ» .

قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَخُصُّوا بِالْخِطَابِ لِأَنَّهُمْ الْمَوْجُودُونَ إذْ ذَاكَ وَالْحُكْمُ عَامٌّ «حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ» غَايَةً لِنَفْيِ كَمَالِ الْإِيمَانِ وَمَنْ كَمُلَ إيمَانُهُ عَلِمَ أَنَّ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ لَا تَتِمُّ إلَّا بِتَرْجِيحِ حُبِّهِ عَلَى حُبِّ كُلٍّ «مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ» وَلَفْظُ الْحَدِيثِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ» الْمَقْصُودُ قَرَابَةُ الْوِلَادَةِ وَتَقْدِيمُ الْوَلَدِ لِمَزِيدِ الشَّفَقَةِ إذْ كُلُّ أَحَدٍ لَهُ وَالِدٌ وَلَا عَكْسَ وَتَخْصِيصُهُمَا لِأَنَّهُمَا أَعَزُّ مِنْ الْأَهْلِ وَالْمَالِ بَلْ عِنْدَ الْبَعْضِ وَمِنْ نَفْسِهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ النَّفْسَ.

قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَشَمِلَ لَفْظُ الْوَالِدِ الْأُمَّ أَوْ لِلدَّلَالَةِ أَوْ الْمُقَايَسَةِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ الِاكْتِفَاءِ عَنْ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ بِالْآخَرِ وَعُطِفَ عَلَيْهِ عَطْفَ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ قَوْلُهُ «وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» حُبًّا اخْتِيَارِيًّا إيثَارًا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا يَقْتَضِي الْعَقْلُ رُجْحَانَهُ مِنْ حُبِّهِ احْتِرَامًا وَإِجْلَالًا وَإِنْ كَانَ حُبُّ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ مَرْكُوزًا فِي غَرِيزَتِهِ فَسَقَطَ اسْتِشْكَالُهُ بِأَنَّ الْمَحَبَّةَ أَمْرٌ غَرِيزِيٌّ لَا يَدْخُلُهُ الِاخْتِيَارُ فَكَيْفَ يُكَلَّفُ بِهِ إذْ الْمُرَادُ حُبُّ الِاخْتِيَارِ الْمُسْتَنِدُ إلَى الْإِيمَانِ فَمَعْنَاهُ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُؤْثِرَ رِضَايَ عَلَى هَوَى وَالِدَيْهِ وَأَوْلَادِهِ.

قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَمَحَبَّةُ الرَّسُولِ إرَادَةُ طَاعَتِهِ وَتَرْكُ مُخَالَفَتِهِ وَهُوَ مِنْ وَاجِبَاتِ الْإِسْلَامِ وَالْحَدِيثُ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ لِأَنَّهُ جَمَعَ فِيهِ أَصْنَافَ الْمَحَبَّةِ الثَّلَاثَةِ مَحَبَّةُ إجْلَالٍ كَمَحَبَّةِ الْوَالِدِ وَالْعُلَمَاءِ وَمَحَبَّةُ رَحْمَةٍ وَإِشْفَاقٍ كَمَحَبَّةِ الْوَلَدِ وَمَحَبَّةُ مُشَاكَلَةٍ كَمَحَبَّةِ غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَحَبَّةً رَاجِحَةً عَلَى ذَلِكَ كَمَحَبَّةِ النَّاسِ أَجْمَعِينَ وَشَاهِدُ صِدْقِ ذَلِكَ بَذْلُ النَّفْسِ فِي رِضَا الْمَحْبُوبِ وَإِيثَارُهُ عَلَى كُلِّ مَصْحُوبٍ.

قَالَ النَّوَوِيُّ وَفِي الْحَدِيثِ تَلْمِيحٌ إلَى قَضِيَّةِ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ وَالْمُطْمَئِنَّةِ فَمَنْ رَجَّحَ جَانِبَ الْمُطْمَئِنَّةِ كَانَ حُبُّهُ لِنَبِيِّهِ رَاجِحًا وَمَنْ رَجَّحَ الْأَمَّارَةَ كَانَ بِالْعَكْسِ.

قَالَ الْكَرْمَانِيُّ أَحَبَّ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ بِمَعْنَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015