تَعَالَى مِمَّنْ يُكْثِرُ النَّوَافِلَ الَّذِي هُوَ بَخِيلٌ لَا يَخْفَى عَلَى هَذَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مِنْ صَدَدِ الْمَقَامِ ثُمَّ قَالَ الْمُنَاوِيُّ عَنْ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ إنَّهُ غَرِيبٌ، وَعَنْ الذَّهَبِيِّ وَالْهَيْثَمِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ ضَعِيفٌ لَكِنَّ هَذَا لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِوَضْعِهِ كَمَا ظَنَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَأَنْتَ قَدْ سَمِعْت أَنَّ الْحَدِيثَ، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لَكِنْ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ فِي الْفَضَائِلِ وَيُذْكَرُ لِتَأْيِيدِ مَا ثَبَتَ بِطَرِيقٍ صَحِيحٍ، وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَخِيلُ عَدُوُّ اللَّهِ، وَلَوْ كَانَ رَاهِبًا وَكَذَا الْبَخِيلُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَلَوْ كَانَ عَابِدًا وَالسَّخِيُّ لَا يَدْخُلُ النَّارَ، وَلَوْ كَانَ فَاسِقًا فَفِي مَوْضُوعَاتِ عَلِيِّ الْقَارِي أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ (شَيْخٌ) أَبُو الشَّيْخِ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «السَّخَاءُ خُلُقُ» بِضَمَّتَيْنِ وَبِضَمٍّ فَسُكُونٍ «اللَّهِ» تَعَالَى «الْأَعْظَمُ» بِالرَّفْعِ أَوْ بِالْجَرِّ أَيْ هُوَ وَصْفُهُ الْأَعْظَمُ أَوْ مِنْ صِفَاتِهِ الْأَعْظَمِ فَمَنْ تَخَلَّقَ بِهِ تَخَلَّقَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى قَالَ تَخَلَّقُوا بِأَخْلَاقِ اللَّهِ (صف) الْأَصْفَهَانِيُّ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَلَا إنَّ كُلَّ جَوَّادٍ فِي الْجَنَّةِ» أَيْ كُلَّ مَنْ كَثُرَ جُودُهُ كَأَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ حَالًا لِعَدَمِ تَخَلُّفِهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ «حَتْمٌ عَلَى اللَّهِ» يَعْنِي عَدَمَ تَخَلُّفِهِ كَالْوَاجِبِ أَوْ وَاجِبٍ عَادِيٍّ لَهُ تَعَالَى فَإِنَّ حَقِيقَةَ الْوَاجِبِ شَيْءٌ يَجِبُ تَنْزِيهُهُ تَعَالَى عَنْهُ كَمَا عُرِفَ فِي مَحَلِّهِ، (وَأَنَا بِهِ كَفِيلٌ) بِالشَّفَاعَةِ؛ وَلِهَذِهِ الْفَضَائِلِ كَانَ مُعْظَمُ خُلُقِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ السَّخَاءَ.
وَفِي الرِّسَالَةِ الْقُشَيْرِيَّةِ سَأَلَ رَجُلٌ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - شَيْئًا فَأَعْطَاهُ خَمْسِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَخَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ، وَقَالَ ائْتِ بِحَمَّالٍ يَحْمِلُ الْمَالَ، وَأَعْطَى طَيْلَسَانَهُ، وَقَالَ كِرَاءُ الْحَمَّالِ مِنْ قِبَلِي وَسَأَلَتْهُ امْرَأَةٌ سُكْرُجَةَ عَسَلٍ فَأَمَرَ لَهَا بِزِقٍّ مِنْ عَسَلٍ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إنَّهَا سَأَلَتْ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهَا وَنَحْنُ نُعْطِي عَلَى قَدْرِ هِمَّتِنَا، وَقِيلَ لَمَّا قَرُبَتْ وَفَاةُ الشَّافِعِيِّ قَالَ مُرُوا فُلَانًا يُغَسِّلُنِي وَكَانَ هُوَ غَائِبًا فَلَمَّا قَدِمَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَدَعَا بِتَذْكِرَتِهِ فَوَجَدَ عَلَيْهِ سَبْعِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَضَاهَا، وَقَالَ هَذَا غُسْلِي إيَّاهُ، وَقِيلَ بَكَى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَوْمًا فَقِيلَ لَهُ مَا يُبْكِيك فَقَالَ لَمْ يَأْتِنِي ضَيْفٌ مُنْذُ سَبْعَةِ أَيَّامٍ أَخَافُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ أَهَانَنِي.
وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - زَكَاةُ الدَّارِ أَنْ يَتَّخِذَ فِيهَا بَيْتًا لِلضِّيَافَةِ، وَقِيلَ عَطِشَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ يَوْمًا فِي طَرِيقِهِ فَاسْتَسْقَى مِنْ مَنْزِلِ امْرَأَةٍ فَأَخْرَجَتْ لَهُ كُوزًا فَشَرِبَ عَبْدُ اللَّهِ الْمَاءَ، وَقَالَ لِغُلَامِهِ احْمِلْ إلَيْهَا عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَقَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ أَتَسْخَرُ بِي فَقَالَ احْمِلْ إلَيْهَا عِشْرِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَتْ أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَقَالَ احْمِلْ إلَيْهَا ثَلَاثِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ يَا غُلَامُ فَرَدَّتْ الْبَابَ، وَقَالَتْ أُفٌّ لَك فَحَمَلَ إلَيْهَا ثَلَاثِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقِيلَ الْجَوَّادُ الْأَوَّلُ إجَابَةُ الْخَاطِرِ الْأَوَّلِ كَانَ أَبُو الْحَسَنِ الْبُوشَنْجِيُّ فِي الْخَلَاءِ فَدَعَا تِلْمِيذًا لَهُ، وَقَالَ انْزِعْ عَنِّي هَذَا الْقَمِيصَ وَادْفَعْهُ إلَى فُلَانٍ فَقِيلَ لَهُ هَلَّا صَبَرْت فَقَالَ لَمْ أُومِنْ عَلَى نَفْسِي أَنْ يَتَغَيَّرَ عَلَيَّ لِمَا وَقَعَ لِي مِنْ الْخُلْفِ مَعَهُ بِذَلِكَ الْقَمِيصِ الْكُلُّ مِنْ الْقُشَيْرِيَّةِ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً} [البقرة: 274] الْآيَةَ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَصَدَّقَ بِأَرْبَعِينَ أَلْفِ دِينَارٍ عَشَرَةٍ بِاللَّيْلِ، وَعَشَرَةٍ بِالنَّهَارِ، وَعَشَرَةٍ بِالسِّرِّ، وَعَشَرَةٍ بِالْعَلَانِيَةِ، وَقِيلَ فِي عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يَمْلِكُ إلَّا أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ فَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ لَيْلًا وَدِرْهَمٍ نَهَارًا وَدِرْهَمٍ سِرًّا وَدِرْهَمٍ عَلَانِيَةً. انْتَهَى.
«أَلَا وَإِنَّ كُلَّ بَخِيلٍ فِي النَّارِ حَتْمٌ عَلَى اللَّهِ، وَأَنَا بِهِ كَفِيلٌ» الْكَفَالَةُ إنَّمَا تُتَصَوَّرُ فِي وُصُولِ الْحَقِّ الَّذِي لَهُ نَفْعٌ، وَأَمَّا الضَّرَرُ الْمَحْضُ فَلَيْسَ فِيهِ كَفَالَةٌ لَعَلَّهُ مُبَالَغَةٌ فِي عَدَمِ تَخَلُّفِهِ عَنْ النَّارِ فَكَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ مَطْلُوبٌ لَهُ «قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ الْجَوَّادُ وَمَنْ الْبَخِيلُ» وَجْهُ السُّؤَالِ عَنْ مَاهِيَّتِهِمَا مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ كَوْنُهُمَا مَعْلُومَيْنِ لَهُمْ لَعَلَّ أَنَّ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ فَيَجُوزُ أَنْ لَا يَعْرِفُوا مَفْهُومَهُمَا الشَّرْعِيَّ، وَإِنْ عَرَفُوا مَعْنَاهُمَا اللُّغَوِيَّ أَوْ لِتَقَوِّي مَا فِي خَاطِرِهِمْ أَوْ لِاخْتِيَارِ مَا فِي خَاطِرِهِمْ هَلْ هُوَ مُطَابِقٌ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ لِتَعْلِيمِ غَيْرِهِمْ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ فِيمَنْ