هُوَ مَنْ بَذَلَ الْأَكْثَرَ، وَأَبْقَى الْأَقَلَّ وَالسَّخِيُّ مَنْ أَعْطَى بَعْضَ مَالِهِ، وَأَمْسَكَ الْبَعْضَ، وَقِيلَ السَّخِيُّ مَنْ يَأْكُلُ وَيُؤَكِّلُ، وَالْجَوَّادُ لَا يَأْكُلُ وَيُؤَكِّلُ وَالسَّخِيُّ لَا يُطْلَقُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِلتَّوْقِيفِ «وَطَعَامُ الْبَخِيلِ دَاءٌ» .
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ طَعَامُ السَّخِيِّ دَوَاءٌ وَطَعَامُ الشَّحِيحِ دَاءٌ لِكَوْنِهِ يُطْعِمُ الضَّيْفَ مَعَ ثِقَلٍ وَتَضَجُّرٍ، وَعَدَمِ طِيبِ نَفْسٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْخَوَاصُّ: إنَّهُ يُظْلِمُ الْقَلْبَ فَتَنْبَغِي الْإِجَابَةُ إلَى طَعَامِ السَّخِيِّ دُونَ الْبَخِيلِ، وَفِي الْإِحْيَاءِ أَنَّ بَخِيلًا مُوسِرًا دَعَاهُ بَعْضُ جِيرَانِهِ فَقَدَّمَ لَهُ طُبَاهَجَةَ بَيْضٍ فَأَكْثَرَ مِنْهَا فَانْتَفَخَ بَطْنُهُ وَصَارَ يَتَأَذَّى فَقَالَ لَهُ الطَّبِيبُ تَقَيَّأْ فَقَالَ أَتَقَيَّأُ طُبَاهَجَةً أَمُوتُ وَلَا أَتَقَيَّأُهَا فَعَلَى مَنْ اُبْتُلِيَ بِدَاءِ الْبُخْلِ أَنْ يُعَالِجَهُ حَتَّى يَزُولَ كَذَا فِي الْفَيْضِ، وَفِي مُخْتَصَرِ حَدَائِقِ الْحَقَائِقِ كَانَ أَبُو مَرْثَدٍ مِنْ الْكِرَامِ فَمَدَحَهُ شَاعِرٌ فَقَالَ لَهُ لَيْسَ عِنْدِي مَا أَدْفَعُ إلَيْك، وَلَكِنْ اذْهَبْ مَعِي إلَى الْقَاضِي وَادَّعِ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ حَتَّى أُقِرَّ لَك ثُمَّ احْبِسْنِي فَإِنَّ أَهْلِي لَا يَتْرُكُونَنِي مَحْبُوسًا وَيُعْطُونَك الْمَالَ فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ فَمَا أَمْسَى حَتَّى أَعْطَوْهُ الْمَالَ كُلَّهُ، وَقِيلَ لَمَّا قَدِمَ الشَّافِعِيُّ مِنْ صَنْعَاءَ إلَى مَكَّةَ وَكَانَ مَعَهُ عَشَرَةُ آلَافِ دِينَارٍ قِيلَ لَهُ اشْتَرِ بِهَا ضَيْعَةً فَضَرَبَ خَيْمَةً خَارِجَ مَكَّةَ وَصَبَّ الْكُلَّ تَحْتَهَا وَكَانَ يُعْطِي مَنْ دَخَلَ إلَيْهِ قَبْضَةً حَتَّى فَرَغَ الْكُلُّ قَبْلَ الظُّهْرِ ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْفَيْضِ عَنْ الْمِيزَانِ أَنَّهُ حَدِيثٌ كَذِبٌ، وَعَنْ السُّيُوطِيّ فِي دُرَرِهِ أَنَّ فِيهِ ضُعَفَاءَ وَمَجَاهِيلَ.
(شَيْخٌ) أَبُو الشَّيْخِ (عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -) ، وَعَنْ أَبَوَيْهَا (أَنَّهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا جُبِلَ وَلِيُّ اللَّهِ» أَيْ لَمْ يُجْعَلْ مَجْبُولًا وَالْوَلِيُّ الْمُسْلِمُ الْمُوَاظِبُ عَلَى الطَّاعَاتِ الْمُجْتَنِبُ عَنْ الْمُخَالَفَاتِ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ (إلَّا عَلَى السَّخَاءِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ) إذْ هُمَا أُسُّ الْكَمَالِ قِيلَ عَلَيْهِ إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ وَضْعُهُ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْ تَوَهَّمَ الْكَذِبَ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ غَايَتُهُ كَوْنُهُ ضَعِيفًا فِي عُرْفِهِمْ لَا فِي نَفْسِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَعْتَدَّ الْمُتَأَخِّرُونَ بِكَلَامِهِ وَخَرَّجُوا أَكْثَرَ مَا ذُكِرَ فِيهِ الْوَضْعُ فِي كُتُبِهِمْ كَالسُّيُوطِيِّ فِي الْجَامِعِينَ كَذَا قِيلَ عَنْ التَّوْفِيقِ وَالتَّحْقِيقِ لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ ابْنَ الْجَوْزِيِّ اصْطَلَحَ عَلَى الْوَضْعِ بِمُجَرَّدِ تَوَهُّمِ الْكَذِبِ مِنْ الرُّوَاةِ مُطْلَقًا أَوْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ بَيَانٍ بَلْ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ كِبَارِ الْمُحَدِّثِينَ وَسُوءُ الظَّنِّ بِمِثْلِهِ يَرْفَعُ الْأَمْنَ عَنْ كُلِّ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ تَوَهُّمَ الْكَذِبِ حَاصِلٌ فِي كُلِّ حَدِيثٍ صَحِيحٍ إلَّا الْمُتَوَاتِرَ فَكَيْفَ يُحْكَمُ بِالْوَضْعِ وَكَيْفَ يَكُونُ غَايَتُهُ ضَعِيفًا، وَقَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ صَحِيحًا إلَخْ مَنْظُورٌ أَيْضًا إذْ بِمُجَرَّدِ احْتِمَالِ الصِّحَّةِ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ، وَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْمَطْلُوبُ، وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ الْقَارِيّ فِي مَوْضُوعَاتِهِ: فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لِلْمُحَدِّثِينَ مِنْ حَيْثُ نَظَرُهُمْ إلَى الْإِسْنَادِ، وَإِلَّا فَلَا مَطْمَعَ لِلْقَطْعِ فِي مَقَامِ الْإِسْنَادِ لِتَجْوِيزِ الْعَقْلِ أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ضَعِيفًا أَوْ مَوْضُوعًا، وَالْمَوْضُوعُ صَحِيحًا مَرْفُوعًا غَيْرُ الْمُتَوَاتِرِ. انْتَهَى (قُطْن) .
الدَّارَقُطْنِيُّ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «السَّخَاءُ» هُوَ بَذْلُ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَأَنْ يُوصَلَ إلَى مُسْتَحِقِّهِ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ، وَعَنْ الرَّاغِبِ: السَّخَاءُ هَيْئَةٌ فِي الْإِنْسَانِ دَاعِيَةٌ إلَى بَذْلِ الْمَقِيتَاتِ حَصَلَ مَعَهُ الْبَدَلُ أَوْ لَا وَمُقَابِلُهُ الشُّحُّ وَالْجُودُ بَذْلُ الْمَقِيتَاتِ بِلَا بَدَلٍ وَيُقَابِلُهُ الْبُخْلُ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ كُلٌّ مَحَلَّ الْآخَرِ. وَفِي الْإِحْيَاءِ الْإِمْسَاكُ مَحَلَّ الْبَذْلِ بُخْلٌ وَالْبَذْلُ مَحَلَّ الْإِمْسَاكِ تَبْذِيرٌ وَالْوَسَطُ هُوَ الْجُودُ وَالسَّخَاءُ، وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ فِعْلِ الْجَوَارِحِ بِدُونِ طِيبِ النَّفْسِ فَإِنَّهُ تَسَخٍّ لَا سَخَاءٌ، وَعَنْ بَعْضٍ: السَّخَاءُ أَتَمُّ، وَأَكْمَلُ مِنْ الْجُودِ وَضِدُّ الْبُخْلِ وَضِدُّ السَّخَاءِ الشُّحُّ، وَالْجُودُ وَالشُّحُّ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِمَا الِاكْتِسَابُ عَادَةً بِخِلَافِ ذَيْنِك فَإِنَّهُمَا مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْغَرِيزَةِ فَكُلُّ سَخِيٍّ جَوَادٌ، وَلَا عَكْسَ، وَالْجُودُ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الرِّيَاءُ وَيُمْكِنُ تَطَبُّعُهُ بِخِلَافِ السَّخَاءِ.
«شَجَرَةٌ» أَيْ كَشَجَرَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ «فِي الْجَنَّةِ»