مِثْلُ الْأَوَّلِ.
أَمَّا الْقَارِئُ إنْ تَرَكَ الْعَمَلَ بِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا فَيَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَ لَكِنْ لَا بِهَذَا الْأَجْرِ إنْ اعْتَقَدَ وَإِلَّا فَكَافِرٌ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ أَصْلًا «أَدْخَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ» بِسَبَبِهِ أَوْ بِشَفَاعَتِهِ «الْجَنَّةَ» هَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ قِرَاءَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ يَحْتَاجُ إلَى كَثِيرٍ فَظَاهِرُ اللَّفْظِ جَانِبُ الْكِفَايَةِ فِي أَصْلِ هَذَا الْأَجْرِ نَعَمْ الْكَثْرَةُ فِي الْقِرَاءَةِ مُؤَثِّرَةٌ فِي قُوَّةِ الْمُسَابَقَةِ إلَى الْجَنَّةِ وَالشَّفَاعَةِ فَإِنْ زِدْتُمْ زِدْنَا لَكِنْ، إنْ حَافَظَ حُدُودَ الْقُرْآنِ وَقْتَ تِلَاوَتِهِ ثُمَّ أَتَى بِمُنَافَاتِهِ هَلْ يُمْحَى مَا كُتِبَ مِنْ الْأَجْرِ الْمَوْعُودِ أَوْ لَا؟
فَقَاعِدَةُ عَدَمِ حُبُوطِ طَاعَةِ الْمُؤْمِنِ بِمَعْصِيَتِهِ يُلَائِمُ الثَّانِي وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُحْمَلَ مِثْلُهُ عَلَى الْقُيُودِ وَالشُّرُوطِ بِدَلَالَةِ بَعْضِ النُّصُوصِ وَالْآثَارِ إذْ الْفِسْقُ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ الدُّخُولِ وَقَدْ قَالُوا إنَّ الِاعْتِبَارَ بِخَوَاتِيمِ الْأَعْمَالِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ أَحَلَّ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ الِاسْتِمْرَارُ وَالدَّوَامُ عَلَيْهِ وَقَدْ يُسْتَعَانُ عَلَيْهِ بِصِيغَةِ الْمَاضِي الدَّالَّةِ عَلَى التَّحَقُّقِ وَتَحَقُّقِهِ وَثَبَاتِهِ إنَّمَا يَكُونُ بِاسْتِمْرَارٍ فَإِنَّ الزَّائِلَ لَيْسَ لَهُ تَحَقُّقٌ «وَشَفَّعَهُ» قَبِلَ شَفَاعَتَهُ «فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ» وَهُمْ سُكَّانُ بَيْتِهِ أَبْنَاؤُهُ وَآبَاؤُهُ وَأَزْوَاجُهُ وَكُلُّ مِنْ اتَّصَلَ بِهِ مِنْ قِبَلِ آبَائِهِ وَأَوْلَادِهِ الذُّكُورِ لَا قَوْمُ الْأُمِّ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُعَدُّ مِنْ قَوْمِ الْأَبِ لَا مِنْ قَوْمِ الْأُمِّ.
وَاخْتُلِفَ فِي أَوْلَادِ الْبَنَاتِ كَمَا نُقِلَ عَنْ وَقْفِ الْفِقْهِيَّةِ لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة إنْ أُرِيدَ بَيْتُ السُّكْنَى فَهُوَ مَنْ يَعُولُهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرَابَةٌ وَإِنَّ بَيْتَ النَّسَبِ فَهُوَ جَمِيعُ أَوْلَادِهِ الْمَعْرُوفِينَ «كُلِّهِمْ قَدْ وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ» بِالْمَعَاصِي يَعْنِي بِسَبَبِ اسْتِحْقَاقِهِ الْأَصْلِيِّ لَا مُطْلَقًا فَلَا يَضُرُّ هَذَا الْوُجُوبُ جَوَازَ عَدَمِ تَعْذِيبِهِ تَعَالَى بِمَشِيئَتِهِ فَضْلًا وَعَدَمُ التَّنَافِي بِشَفَاعَةٍ مِنْ الْغَيْرِ.
لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَوَّلِ النَّوْعَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ شَرَعَ فِي ثَانِيهِ وَهُوَ وُجُوبُ التَّمَسُّكِ بِالسُّنَّةِ فَقَالَ (الْآيَاتُ) أَيْ هَذِهِ هِيَ الْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى وُجُوبِ الِاعْتِصَامِ بِالسُّنَّةِ وَهِيَ سَبْعَ عَشْرَ آيَةً عَلَى اسْتِقْرَاءِ الْمُصَنِّفِ أَوْ تَعَلَّقَ رَأْيُهُ بِإِتْيَانِهَا فَلَا يَضُرُّ زِيَادَتُهَا فِي نَفْسِهَا مِنْهَا فِي آلِ عِمْرَانَ {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ} [آل عمران: 31]- نَزَلَتْ حِينَ قَالَتْ قُرَيْشٌ إنَّمَا نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ حُبًّا لَهُ تَعَالَى لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى وَقِيلَ نَزَلَتْ حِينَ قَالَ نَصَارَى نَجْرَانَ هَذَا الْقَوْلَ فِي عِيسَى حُبًّا لِلَّهِ وَتَعْظِيمًا لَهُ.
وَقِيلَ فِي حَقِّ الْيَهُودِ حِينَ قَوْلِهِمْ {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18]- يَعْنِي نَحْنُ فِي الْمَنْزِلَةِ بِمَنْزِلَةِ الْأَبْنَاءِ - وَأَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَقَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ} [آل عمران: 31]- يَعْنِي إنْ صَدَقْتُمْ فِي دَعْوَى مَحَبَّةِ اللَّهِ {فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران: 31] فَإِنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا تَكُونُ بِاتِّبَاعِي فَإِنِّي رَسُولُهُ إلَيْكُمْ وَحُجَّتِي وَاضِحَةٌ لَدَيْكُمْ فَوَجَبَ عَلَى كَافَّةِ الْخَلْقِ مُتَابَعَتِي فِيمَا آمُرُ وَأُنْهِي
قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ الْمَحَبَّةُ مَيْلُ النَّفْسِ إلَى الشَّيْءِ لِكَمَالٍ أُدْرِكَ فِيهِ بِحَيْثُ يَحْمِلُهَا عَلَى مَا يُقَرِّبُهَا إلَيْهِ وَالْعَبْدُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْكَمَالَ الْحَقِيقِيَّ لَيْسَ إلَّا لِلَّهِ وَأَنَّ كُلَّ مَا يَرَاهُ كَمَالًا مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ مِنْ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ وَإِلَى اللَّهِ لَمْ يَكُنْ حُبُّهُ إلَّا لِلَّهِ وَفِي اللَّهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي إرَادَةَ طَاعَتِهِ وَالرَّغْبَةَ فِيمَا يُقَرِّبُهُ فَلِذَلِكَ فُسِّرَتْ الْمَحَبَّةُ بِإِرَادَةِ الطَّاعَةِ وَجُعِلَتْ الطَّاعَةُ مُسْتَلْزِمَةً لِاتِّبَاعِ الرُّسُلِ فِي عِبَادَتِهِ وَالْحِرْصِ عَلَى مُطَاوَعَتِهِ {يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] فَإِنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ مَنُوطَةٌ بِاتِّبَاعِي قَالَ فِي رِسَالَةِ الْقُشَيْرِيِّ مَعْنَى مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى عَبْدَهُ إرَادَتُهُ بِأَنْ يَخُصَّهُ بِالْقُرْبِ وَالْأَحْوَالِ الْعَلِيَّةِ وَقِيلَ هِيَ مَدْحُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ بِالْجَمِيلِ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ قَالَ لِجَبْرَائِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحَبَّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يَضَعُ لَهُ الْقَبُولَ فِي الْأَرْضِ» .
وَأَمَّا الْمَحَبَّةُ عِنْدَ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فَقِيلَ الْمَحَبَّةُ الْمَيْلُ الدَّائِمُ بِالْقَلْبِ الْهَائِمِ
وَقِيلَ هِيَ إيثَارُ الْمَحْبُوبِ عَلَى جَمِيعِ الْمَصْحُوبِ وَقِيلَ مُوَافَقَةُ الْحَبِيبِ فِي الْمَشْهَدِ وَالْمَغِيبِ وَقِيلَ مُوَاطَأَةُ الْقَلْبِ لِمَوَارِدِ الرَّبِّ وَقَالَ الْبِسْطَامِيُّ الْمَحَبَّةُ اسْتِقْلَالُ الْكَثِيرِ مِنْ نَفْسِك وَاسْتِكْثَارُ الْقَلِيلِ مِنْ حَبِيبِك وَقَالَ سَهْلٌ الْحُبُّ مُعَانَقَةُ الطَّاعَةِ وَمُبَايَنَةُ الْمُخَالَفَةِ.
وَقَالَ الشِّبْلِيُّ