عَشَرَةً كَفَّارَةً لِمَا صَنَعُوا فَصَارَ أَرْبَعِينَ، ثُمَّ إنَّ مَلِكًا لَهُمْ اشْتَكَى فِيهِ فَجَعَلَ لِلَّهِ عَلَيْهِ إنْ بَرِيءَ مِنْ وَجَعِهِ أَنْ يَزِيدَ فِي صَوْمِهِمْ أُسْبُوعًا فَبَرِيءَ فَزَادَ أُسْبُوعًا، ثُمَّ مَاتَ هُوَ وَوَلِيَهُمْ مَلِكٌ آخَرُ فَأَتَمَّ خَمْسِينَ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] الْمَعَاصِي بِقَهْرِ النَّفْسِ وَكَسْرِ شَهَوَاتِهَا وَقِيلَ عَنْ تَغْيِيرِ الصَّوْمِ كَمَا فَعَلَهُ النَّصَارَى وَقِيلَ لَعَلَّكُمْ تَنْتَظِمُونَ فِي زُمْرَةِ الْمُتَّقِينَ وَجْهُ الِاحْتِجَاجِ أَنَّ التَّقْوَى أَمْرٌ عَظِيمٌ شُرِعَ لِأَجْلِ نَيْلِهَا قَهْرُ النَّفْسِ بِهَذَا الصِّيَامِ وَتَعْذِيبِ النَّفْسِ وَفِي الْبَقَرَةِ أَيْضًا {كَذَلِكَ} [البقرة: 187] أَيْ مِثْلُ ذَلِكَ الْبَيَانِ {يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ} [البقرة: 187] مَعَالِمَ دِينِهِ وَأَحْكَامَ شَرِيعَتِهِ {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة: 187] مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ فَيُنَحُّوا مِنْ الْعَذَابِ فَإِذَا كَانَ غَايَةُ تِبْيَانِ الْآيَاتِ الْجَلِيلَةِ الشَّأْنُ لِلنَّاسِ هِيَ اتِّقَاؤُهُمْ فَالتَّقْوَى أَمْرٌ شَرِيفٌ وَلَهُ فَضْلٌ مُنِيفٌ وَفِي الْأَنْعَامِ {وَأَنْذِرْ بِهِ} [الأنعام: 51] خَوِّفْ بِالْقُرْآنِ {الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ} [الأنعام: 51] .

قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: هُمْ الْمُؤْمِنُونَ الْمُفَرِّطُونَ فِي الْعَمَلِ أَوْ الْمُجَوِّزُونَ لِلْحَشْرِ مُؤْمِنًا أَوْ كَافِرًا مُقِرًّا أَوْ مُتَرَدِّدًا فَإِنَّ الْإِنْذَارَ لَا يُفِيدُ لِمَنْ يَقْطَعُ فِي الْإِنْكَارِ، وَقِيلَ هُمْ الْكُفَّارُ {لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ} [الأنعام: 51] أَيْ اللَّهِ {وَلِيٌّ} [الأنعام: 51] قَرِيبٌ يَنْصُرُهُمْ {وَلا شَفِيعٌ} [الأنعام: 51] فَإِنْ قِيلَ إنْ أُرِيدَ بِهِمْ الْكُفَّارُ فَيَلْزَمُ أَنْ يُرَادَ مِنْ الِاتِّقَاءِ مَا يَتَّقِي مِنْ الْكُفْرِ فَلَا تَقْرِيبَ إذْ الظَّاهِرُ كَمَا عَرَفْت أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الِاتِّقَاءِ هُنَا مَا يُجْتَنَبُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَالْإِصْرَارُ عَلَى الصَّغَائِرِ وَالْبِدَعِ، وَإِنْ أُرِيدَ الْمُؤْمِنُونَ فَيَلْزَمُ عَدَمُ الشَّفَاعَةِ لَهُمْ قُلْنَا قَدْ سَبَقَ مَا يَصْلُحُ جَوَابًا لِذَلِكَ - {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} [الملك: 3]- {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة: 187] فَيَنْزَجِرُوا عَنْ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي وَفِي الْأَنْعَامِ أَيْضًا {ذَلِكُمْ} [الأنعام: 153] يَعْنِي عَدَمَ اتِّبَاعِكُمْ السُّبُلَ الْمُخْتَلِفَةَ وَالْأَهْوَاءَ الْمُضِلَّةَ وَالْبِدَعَ الْمُرْدِيَةَ {وَصَّاكُمْ} [الأنعام: 153] اللَّهُ تَعَالَى {بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153] الضَّلَالَ وَالتَّفَرُّقَ عَنْ الْحَقِّ وَفِي الْمَائِدَةِ {اعْدِلُوا} [المائدة: 8] فِي أَوْلِيَائِكُمْ وَأَعْدَائِكُمْ {هُوَ} [المائدة: 8] الْعَدْلُ الْمَذْكُورُ مَعْنًى {أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] عَنْ النَّارِ أَوْ الْمَعَاصِي وَفِي الْبَقَرَةِ {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ يَعْنِي عَفْوُ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ أَدْعَى إلَى اتِّقَاءِ مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ نَدْبٌ وَفِي الْبَقَرَةِ أَيْضًا {وَلَوْ أَنَّهُمْ} [البقرة: 103] الْيَهُودَ {آمَنُوا} [البقرة: 103] بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقُرْآنِ {وَاتَّقَوْا} [البقرة: 103] الْكُفْرَ وَالْإِثْمَ {لَمَثُوبَةٌ} [البقرة: 103] أَيْ لَكَانَ ثَوَابُ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُمْ خَيْرًا.

وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِالرَّسُولِ وَالْكِتَابِ وَاتَّقُوا بِتَرْكِ الْمَعَاصِي لَمَثُوبَةٌ {مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ} [البقرة: 103] وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ دَلَالَةِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ وَفِي آلِ عِمْرَانَ {وَإِنْ تَصْبِرُوا} [آل عمران: 120] عَلَى مَشَاقِّ الْمُنَافِقِينَ {وَتَتَّقُوا} [آل عمران: 120] مُوَالَاتِهِمْ أَوْ مَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015