{يَا أُولِي الأَلْبَابِ} [البقرة: 197] الَّذِينَ يَعْمَلُونَ حَقَائِقَ الْأَشْيَاءِ أَوْ يَا صَاحِبِي الْعُقُولِ الصَّافِيَةِ عَنْ شَوَائِبِ الْهَوَى وَكَدَرِ النَّفْسِ وَفِي الْأَعْرَافِ {وَلِبَاسُ التَّقْوَى} [الأعراف: 26] لِبَاسُ الْوَرَعِ وَالْخَشْيَةِ أَوْ الْإِيمَانِ أَوْ السِّيرَةِ الْحَسَنَةِ أَوْ لِبَاسُ الْحَرْبِ أَوْ الْعَمَلِ الصَّالِحِ أَوْ الْعَفَافِ أَوْ التَّوْحِيدِ أَوْ الْحَيَاءِ أَوْ السَّكِينَةِ أَوْ لِبَاسُ أَهْلِ الزُّهْدِ مِنْ الصُّوفِ وَخَشِنِ الثِّيَابِ {ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26] هَذِهِ الْجُمْلَةُ خَبَرٌ لِلْمُبْتَدَأِ أَعْنِي: قَوْلَهُ لِبَاسُ يَعْنِي لِبَاسُ التَّقْوَى خَيْرٌ مِنْ لِبَاسِ الزِّينَةِ وَالْجَمَالِ الَّذِي هُوَ لِبَاسُ أَهْلِ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّهُ يُعِدُّ صَاحِبَهُ إلَى لِقَاءِ مَوْلَاهُ وَفِي الْحُجُرَاتِ {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} [الحجرات: 3] أَخْلَصَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَنَقَّاهَا مِنْ الشَّهَوَاتِ إظْهَارًا لِلتَّقْوَى أَوْ جَرَّبَ قُلُوبَهُمْ بِأَنْوَاعِ الْمِحَنِ وَالتَّكَالِيفِ الشَّاقَّةِ لِأَجْلِ التَّقْوَى وَفِي الْحَجِّ {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} [الحج: 32] ، وَهِيَ الْهَدْيُ وَالْبُدْنُ وَتَعْظِيمُهَا اسْتِحْسَانُهَا لِلنَّحْرِ أَوْ هِيَ دِينُ اللَّهِ أَوْ فَرَائِضُ الْحَجِّ وَمَوَاضِعُ نُسُكِهِ أَوْ الْهَدَايَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَعَالِمِ الْحَجِّ وَتَعْظِيمُهَا أَنْ يَخْتَارَهَا حِسَانًا سِمَانًا غَالِيَةَ الْأَثْمَانِ {فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] نَاشِئَةٌ مِنْ تَقْوَاهُمْ قُلُوبُهُمْ فَذَكَرَ الْقُلُوبَ؛ لِأَنَّهَا مَنْشَأٌ لِلتَّقْوَى كَمَا لِلْفُجُورِ أَيْضًا وَالْآمِرَةُ بِهِمَا
وَفِي التَّوْبَةِ {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ} [التوبة: 109] أَيْ بُنْيَانَ دِينِهِ {عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ} [التوبة: 109] خَشْيَةَ اللَّهِ وَتَوْحِيدِهِ {وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ} [التوبة: 109] وَالتَّأْسِيسُ إحْكَامُ أَسَاسِ الْبِنَاءِ وَالْأَسَاسُ أَصْلُهُ وَالْمَعْنَى أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَ دِينِهِ عَلَى قَاعِدَةٍ قَوِيَّةٍ مُحْكَمَةٍ هِيَ تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى وَرِضْوَانُهُ خَيْرٌ {أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ} [التوبة: 109] يَعْنِي أَمْ مَنْ أَسَّسَ دِينَهُ عَلَى أَضْعَفِ الْقَوَاعِدِ وَأَقَلِّهَا بَقَاءً، وَهُوَ الْبَاطِلُ وَالنِّفَاقُ الَّذِي مِثْلُهُ مِثْلُ بِنَاءٍ عَلَى غَيْرِ أَسَاسٍ ثَابِتٍ وَقَوْلُهُ شَفَا بِمَعْنَى الطَّرَفِ وَجُرُفٍ جَانِبُ وَادٍ مُنْحَرِفٍ أَصْلُهُ بِجَرَيَانِ الْمَاءِ فِيهِ وَهَارٍ مُتَصَدِّعٌ مَائِلٌ إلَى السُّقُوطِ {فَانْهَارَ بِهِ} [التوبة: 109] أَيْ سَقَطَ مَعَ بَانِيهِ {فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة: 109] وَفِي الْأَعْرَافِ {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156] مِنْ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ فِي الدُّنْيَا {فَسَأَكْتُبُهَا} [الأعراف: 156] فَسَأُثْبِتُهَا فِي الْآخِرَةِ وَأَخُصُّهَا {لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 156] الْكُفْرَ وَالْمَعَاصِي فِي الْآخِرَةِ.
قِيلَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ إبْلِيسُ أَنَا مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي وَسِعَتْهُ رَحْمَتُهُ تَعَالَى فَأَنْزَلَ {فَسَأَكْتُبُهَا} [الأعراف: 156] وَقِيلَ لِلْمُؤْمِنِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَكِنَّ الْكَافِرَ يُرْزَقُ وَيُدْفَعُ عَنْهُ بِبَرَكَةِ الْمُؤْمِنِ لِسِعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَجَبَتْ لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً وَفِي الْبَقَرَةِ {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] يَعْنِي الْقُرْآنُ نُورٌ وَبَيَانٌ لِأَهْلِ التَّقْوَى وَفِي الْبَقَرَةِ {وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 66] أَيْ تَدْعُوهُمْ إلَى الشُّكْرِ وَالْخَوْفِ وَالثَّبَاتِ عَلَى الطَّاعَةِ وَالصَّبْرِ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَفِي الْأَنْبِيَاءِ {وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ} [الأنبياء: 48] وَخُصَّ الْمُتَّقُونَ؛ لِأَنَّهُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِهِ.
وَفِي الْبَقَرَةِ