عَيْنِهِ فِي الْأُصُولِ فَبَاطِلٌ ضَرُورَةً وَإِنْ قَاعِدَتُهُ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ بَلْ مَا قَوَاعِدُهُ هُوَ جَانِبُ لُزُومِهِ وَأَنَّ الْأَحْكَامَ تُؤْخَذُ لِمِثْلِنَا مِنْ الْفُرُوعِ لَا مِنْ الْأُصُولِ وَاسْتِخْرَاجُ الْأَحْكَامِ مِنْ الْأُصُولِ وَظِيفَةُ الْمُجْتَهِدِ.
(وَمَعَ هَذِهِ الْفَضَائِحِ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ وَاصِلُونَ مُكَاشِفُونَ) وَقَدْ عَدِمَ أَرْبَابُ هَذِهِ الطَّائِفَةِ تَرْكَ الْأَوْلَى وَارْتِكَابَ مَا لَا بَأْسَ بِلَا ضَرُورَةٍ مِنْ مَوَانِعِ الْوُصُولِ وَرِعَايَةِ غَايَتِهِمْ مِنْ شَرَائِطِهِ (فَهَيْهَاتَ) بَعُدَتْ هَذِهِ الدَّعْوَى عَنْ الْحَقِّ، وَالصَّدَقَةِ بُعْدًا لَا رَيْبَ فِيهِ (هَيْهَاتَ) تَكْرِيرٌ لِلتَّأْكِيدِ (نَعَمْ) .
قَالَ الْمُحَشِّي هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ وَهُوَ تَسْلِيمُ الدَّلِيلِ مَعَ بَقَاءِ الْخِلَافِ.
قُلْت وَأَيْضًا هُوَ مِنْ قَبِيلِ تَأْكِيدِ الذَّمِّ بِمَا يُشْبِهُ الْمَدْحَ، وَالْأَوَّلُ أُصُولِيٌّ، وَالثَّانِي بَدِيعِيٌّ (أَنَّهُمْ وَاصِلُونَ إلَى الشَّيْطَانِ) الَّذِي هُوَ شَيْخُهُمْ الَّذِي عَلَّمَهُمْ هَوَاهُمْ وَغَرَّهُمْ فِي أَمَانِيهِمْ وَلِذَا أَنَّهُمْ (مَغْرُورُونَ بِأَمَانِيِّهِ) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إلَّا غُرُورًا. جَمْعُ أُمْنِيَةٍ بِمَعْنَى الْمَقْصُودِ يَعْنِي أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ الْوَصْلَةَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسُوا بِوَاصِلِينَ إلَيْهِ بَلْ وَاصِلُونَ إلَى الشَّيْطَانِ وَيَأْتَمِرُونَ بِأَمْرِهِ وَدَلَالَاتِهِ وَيَمْشُونَ عَلَى نَهْجِ تَصَرُّفَاتِهِ.
حُكِيَ أَنَّ عَبْدَ الْقَادِرِ الْكِيلَانِيَّ اعْتَزَلَ عَنْ النَّاسِ وَتَوَحَّشَ لِلْعِبَادَةِ فَلَيْلَةً مِنْ اللَّيَالِي امْتَلَأَ الْعَالَمُ بِالْأَنْوَارِ فَنَادَى مُنَادِيًا عَبْدَ الْقَادِرِ: اجْتَهَدْت لِلْعِبَادَةِ لِي وَعَبَدْتَ حَقَّ الْعِبَادَةِ فَإِنِّي قَدْ رَفَعْت عَنْك حُرْمَةَ الْأَشْيَاءِ وَأَبَحْت جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ لَك فَافْعَلْ مَا شِئْت فِيمَا بَعْدُ وَقَدْ غَفَرْت لَك فَقَالَ: عَبْدُ الْقَادِرِ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّكَ يَا شَيْطَانُ فَإِذَا قَدْ رَكَدَ الظَّلَامُ وَاضْمَحَلَّتْ تِلْكَ الْأَنْوَارُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ قَدْ نَجَوْت بِعِلْمِك يَا عَبْدَ الْقَادِرِ إنِّي قَدْ أَهْلَكْت فِي هَذَا الْمَقَامِ عُبَّادًا وَزُهَّادًا.
(عَامِلُونَ بِوَسَاوِسِهِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَقَعَ لِبَعْضِهِمْ كَشْفٌ حِسِّيٌّ لِبَعْضِ الْأَشْيَاءِ) عَنْ أُمُورٍ مَحْسُوسَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْأَكْوَانِ مِنْ الْإِخْبَارِ عَنْ شَيْءٍ فَيَكُون كَذَلِكَ وَهُوَ الْكَشْفُ الصُّورِيُّ (أَوْ نَحْوِهِ) مِنْ الْمَنَامَاتِ، وَالتَّخَيُّلَاتِ، وَالْوَارِدَاتِ الْغَيْبِيَّةِ، وَالْهَوَاتِفِ (مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ بِمُقْتَضَى الرِّيَاضَاتِ) بِتَصْفِيَةِ الْبَاطِنِ، وَالتَّجَرُّدِ عَنْ الْعَلَائِقِ الْبَشَرِيَّةِ (أَوْ إرَاءَةِ الشَّيْطَانِ) لَهُمْ طَيَرَانًا فِي الْهَوَاءِ بِرَفْعِ بَعْضِهِمْ أَوْ نَقْلِهِ مِنْ مَكَان بِأَسْرَعِ زَمَانٍ أَوْ الْإِتْيَانِ بِمَا يُرِيدُونَهُ (مَكْرًا) إضْمَارًا لِلسُّوءِ بِهِ (وَاسْتِدْرَاجًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْكَفَرَةِ الْمُرْتَاضِينَ) .
وَعَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّ عَالَمَ الصَّفَا حِجَابٌ؛ لِأَنَّهُ بِهِ يَكُونُ الْكَشْفُ وَهَذَا يُشَارِكُنَا فِيهِ الرُّهْبَانُ وَإِنَّمَا نُفَضَّلُ عَلَيْهِمْ بِعَالَمِ التَّرْقِيَةِ (فَيَظُنُّونَ أَنَّهُ كَرَامَةٌ وَوِلَايَةٌ فَيَغْتَرُّونَ بِهِ) فَيَهْلِكُونَ وَلَا يَشْعُرُونَ وَكُلُّ ذَلِكَ لِجَهْلِهِمْ وَلَا يُحْتَمَلُ كَوْنُ ذَلِكَ غَيْرَ ذَلِكَ مَا دَامَتْ أَفْعَالُهُمْ الظَّاهِرَةُ عَلَى خِلَافِ الْقَوَانِينِ الشَّرْعِيَّةِ وَإِنْ اسْتَقَامَ بَاطِنُهُمْ خِلَافًا لِمَنْ خَلَطَ وَيَشْهَدُهُ قَوْلُهُ (وَقَدْ سَمِعْت سَابِقًا قَوْلَ سُلْطَانِ الْعَارِفِينَ أَبِي يَزِيدَ الْبِسْطَامِيِّ) هَذَا إثْبَاتٌ لِتَوَقُّفِ الْفَيْضِ الْإِلَهِيِّ عَلَى كَمَالِ اتِّبَاعِ الشَّرْعِ وَلِكَوْنِ الْكَشْفِ الْخَارِجِيِّ اسْتِدْرَاجًا مِنْ مُخَالِفِ الشَّرْعِ (لَوْ نَظَرْتُمْ إلَى رَجُلٍ) أَيْ شَخْصٍ (أُعْطِيَ مِنْ الْكَرَامَاتِ حَتَّى تَرَبَّعَ فِي الْهَوَاءِ) أَوْ جَلَسَ عَلَى الْمَاءِ أَوْ فِي النَّارِ (فَلَا تَغْتَرُّوا بِهِ) وَتَنْسِبُوهُ