الْفُضَلَاءِ فَإِذَا هُوَ الْكِبْرِيتُ الْأَحْمَرُ وَالتِّرْيَاقُ الْأَكْبَرُ لِكَوْنِهَا شُمُوسًا مِنْ مَشَارِقِ النُّبُوَّةِ طَلَعَتْ وَأَقْمَارًا مِنْ أُفُقِ الْخَلَفِ وَالسَّلَفِ بَدَرَتْ فَكَأَنَّهَا حَرِيَّةٌ بِأَنْ تُسَمَّى (بَرِيقَةٌ مَحْمُودِيَّةٌ فِي شَرْحِ طَرِيقَةٍ مُحَمَّدِيَّةٍ وَشَرِيعَةٍ نَبَوِيَّةٍ فِي سِيرَةٍ أَحْمَدِيَّةٍ) .
فَأَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ أَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَيَنْفَعَ بِهِ لِجَامِعِهِ وَقَارِئِهِ وَنَاظِرِهِ وَكَاتِبِهِ نَفْعًا مُوجِبًا لِعَفْوِهِ وَغُفْرَانِهِ بَلْ لِرَفْعِ دَرَجَاتِهِ فِي أَعْلَى غُرَفِ الْجِنَانِ مَعَ الْمُنَعَّمِينَ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ الْمُشْتَغِلِينَ بِسُنَّتِهِمْ وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِمْ.
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قَدْ قَضَيْنَا الْوَطَرَ فِي حَقِّ الْبَسْمَلَةِ الشَّرِيفَةِ فِي رِسَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْفُنُونِ إلَى أَنْ تَبْلُغَ إلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَنًّا فَلْنَكْتَفِ بِمَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا وَهُوَ أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَالْبَيْضَاوِيِّ تَرْجِيحُ جَانِبِ الِاسْتِعَانَةِ فِي الْبَاءِ مَعَ الِاتِّفَاقِ فِي جَوَازِهَا لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ حَاصِلَ الِاسْتِعَانَةِ طَلَبُ الْمُعَاوَنَةِ عَلَى إيقَاعِ الْفِعْلِ وَإِحْدَاثِهِ وَذَلِكَ بِإِفَاضَةِ الْقُدْرَةِ مُمْكِنَةً أَوْ مُيَسَّرَةً عَلَيْهِ مَا فِي عِلْمِ الْأُصُولِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْفِعْلِ إمَّا التَّصْنِيفُ أَوْ الْقِرَاءَةُ أَوْ الْعِبَادَةُ أَوْ نَحْوُهَا فَإِنْ أُرِيدَ بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ الْقُوَّةُ الَّتِي يَصِحُّ صَرْفُهَا لِلْفِعْلِ وَعَدَمِهِ فَهِيَ حَاصِلَةٌ قَبْلَ الطَّلَبِ فَيَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَإِنْ أُرِيدَ الْقُدْرَةُ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِالصَّرْفِ أَيْ صَرْفِ الْعَبْدِ قُدْرَتَهُ إلَى الْفِعْلِ فَهُوَ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْخَلْقُ وَالْإِيجَادُ عَلَى أَنَّ تَعَلُّقَ قُدْرَةِ اللَّهِ بِفِعْلِ الْعَبْدِ مَشْرُوطٌ بِذَلِكَ الصَّرْفِ عَلَى حَسَبِ عَادَتِهِ وَمُقْتَضَى حِكْمَتِهِ فَلَوْ لَمْ يُوجَدْ الصَّرْفُ مِنْ الْعَبْدِ لَا يُوجَدُ الْخَلْقُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عَادَته وَإِنْ أُرِيدَ تَعَلُّقُ قُدْرَتِهِ عِنْدَ ذَلِكَ الصَّرْفِ مِنْ الْعَبْدِ فَهُوَ ضَرُورِيٌّ أَيْضًا عَلَى عَادَتِهِ تَعَالَى فَلَا فَائِدَةَ فِي طَلَبِهِ وَبِالْجُمْلَةِ طَلَبُ الْمُعَاوَنَةِ هُوَ طَلَبُ الْقُدْرَةِ.
فَالْقُدْرَةُ الْمَطْلُوبَةُ إنْ كَانَتْ مَا هِيَ صِفَةٌ لِلْعَبْدِ صَالِحَةٌ صَرْفُهَا لِلضِّدَّيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ أَوْ سَلَامَةِ الْآلَاتِ الَّتِي يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا صِحَّةُ التَّكْلِيفِ فَهِيَ صَالِحَةٌ قَبْلَ الطَّلَبِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الطَّلَبِ وَإِنْ كَانَتْ عَيْنَ ذَلِكَ الصَّرْفِ وَلَوْ مَجَازًا فَقَدْ قُرِّرَ أَنَّهُ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ فِي الْخَارِجِ وَصُدُورُهُ مِنْ قُدْرَةِ الْعَبْدِ فَقَطْ وَلَوْ فُرِضَ صُدُورُهُ مِنْ اللَّهِ يَلْزَمُ الْجَبْرُ فَلَا مَعْنَى لِطَلَبِ الْمُعَاوَنَةِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى فِعْلٍ مَا وَنَحْوُهُ طَلَبُ الْهِدَايَةِ وَالتَّوْفِيقِ وَالْعِصْمَةِ وَنَحْوِهَا وَمُذْ زَمَانٍ كَثِيرٍ يَخْتَلِجُ ذَلِكَ فِي خَاطِرِ هَذَا الْفَقِيرِ عَصَمَهُ اللَّهُ وَلَا يَجِدُ مَلْجَأً غَيْرَ التَّفْوِيضِ إلَى عِلْمِهِ تَعَالَى وَالتَّبَعِيَّةِ بِالنُّصُوصِ وَالسَّلَفِ ثُمَّ اطَّلَعْت فِي بَحْثِ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ لِلْعَبْدِ مِنْ الْبَيْضَاوِيِّ.
وَلِصُعُوبَةِ هَذَا الْمَقَامِ أَنْكَرَ السَّلَفُ مُنَاظَرَتَهُ لِتَأَدِّيهِ إلَى إنْكَارِ التَّكْلِيفِ أَوْ الشِّرْكِ بِاَللَّهِ ثُمَّ قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ بَعْدَمَا قَالَ الْأَوْلَى هُوَ طَرِيقُ السَّلَفِ مِنْ تَرْكِ الْمُنَاظَرَةِ وَتَفْوِيضِ الْعِلْمِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى هَذَا ثُمَّ سَبَقَ إلَى الْخَاطِرِ أَنَّهُ يَجُوزُ طَلَبُ الْمُعَاوَنَةِ بِإِلْقَاءِ نَحْوِ الشَّوْقِ وَالْمَحَبَّةِ وَإِخْطَارِ الْأَمْرِ الْمُلَائِمِ بِالْقَلْبِ عَلَى وَجْهٍ يُرَجِّحُ الْعَبْدُ جَانِبَ الْفِعْلِ مَثَلًا يَعْنِي يَحْصُلُ الصَّرْفُ بِلَا رُتْبَةِ إيجَابٍ وَاضْطِرَارٍ وَنَحْوِهَا لَا يَبْعُدُ صُدُورُهُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا مِنْ مَقُولَةِ الْكَيْفِ الَّذِي هُوَ مَوْجُودٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْخَلْقُ عَلَى أَنَّهُ لَا شَكَّ فِي كَوْنِهَا مَوْجُودَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا يَبْعُدُ صُدُورُ نَحْوِ هَذَا الْوُجُودِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى كَالْمَوْجُودَاتِ الْخَارِجِيَّةِ وَغَايَتُهُ لُزُومُ عَدَمِ الْمَخْلُوقِيَّةِ فِي بَعْضِ مَا صَدَرَ عَنْهُ تَعَالَى لَعَلَّهُ لَا بَأْسَ فِيهِ بَلْ قَدْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ.
فَلَعَلَّك بِهَذَا الْقَدْرِ تَفْهَمُ تَحْقِيقَ الْمَقَامِ عَلَى وَجْهٍ يَرْتَفِعُ حُجُبٌ نَحْوَ الْهِدَايَةِ وَالتَّوْفِيقِ بَلْ اسْتِصْعَابُ الْبَيْضَاوِيِّ وَاعْتِرَافُ الْأَصْفَهَانِيِّ حَتَّى التَّفْتَازَانِيِّ أَيْضًا فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ وَبِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ بِحَقَائِقِ الْمَقَامِ يَنْكَشِفُ ظُلُمَاتُ الْأَوْهَامِ بِعِنَايَةِ الْمُفَضِّلِ الْمِنْعَامِ.
وَتَمَامُ تَحْقِيقِ الْكَلَامِ فِي بَحْثِ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ الْفَتَّاحُ الْمَنَّانُ
(الْحَمْدُ لِلَّهِ) هُوَ الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ لِلتَّعْظِيمِ وَكَوْنُهُ غَيْرَ نِعْمَةٍ هَذَا هُوَ الْحَمْدُ اللُّغَوِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ