الْعَرْشِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم: 14] {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [النجم: 15]- وَأَنَّ النَّارَ تَحْتَ الْأَرْضِينَ وَعَنْ شَرْحِ الْمَقَاصِدِ وَالْحَقُّ تَفْوِيضُ عِلْمِهِمَا إلَى الْعَلِيمِ الْخَبِيرِ.
وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّ هِرَقْلَ كَتَبَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا مُحَمَّدُ أَرَأَيْت جَنَّةً عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ فَأَيْنَ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: سُبْحَانَ اللَّهِ أَيْنَ اللَّيْلُ إذَا جَاءَ النَّهَارُ» (الْبَاقِيَتَانِ لَا تَفْنَيَانِ وَلَا) يَفْنَى (أَهْلُهُمَا) لِأَنَّهُمْ مُؤَبَّدُونَ مُخَلَّدُونَ.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} [القصص: 88]- فَهَلَاكٌ لَحْظِيٌّ لَا يَضُرُّنَا وَلِهَذِهِ الْآيَةِ تَأْوِيلٌ آخَرُ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الْعَضُدِيَّةِ لِلدَّوَّانِيِّ قَالَ أَيْضًا فِيهِ عَنْ الْجَاحِظِ وَعَبْدِ اللَّهِ الْمَغْرِبِيِّ أَنَّ الْخُلُودَ لِلْكَافِرِ الْمُعَانِدِ وَأَمَّا الْمُبَالِغُ فِي الِاجْتِهَادِ بِقَدْرِ وُسْعِهِ وَإِنْ لَمْ يَهْتَدِ فَلَا يَخْلُدْ إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ وَ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] .
وَفِي الْمُنْقِذِ لِلْإِمَامِ حُجَّةِ الْإِسْلَامِ كَلَامٌ يَقْرَبُ مِنْهُ بَعْضَ الْقُرْبِ انْتَهَى وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ إنْ وَصَلَ إلَيْهِ الشَّرْعُ فَلَهُ تَقْصِيرٌ وَوُسْعٌ وَإِلَّا فَرَاجِعٌ إلَى مَسْأَلَةِ زَمَانِ الْفَتْرَةِ وَشَاهِقِ الْجَبَلِ وَأَمَّا أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ الدَّوَانِيُّ هُمْ فِي النَّارِ وَقِيلَ: مَنْ عَلِمَ اللَّهُ مِنْهُ الْإِيمَانَ وَالطَّاعَةَ عَلَى تَقْدِيرِ بُلُوغِهِ فَفِي الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ عَلِمَهُ عَلَى خِلَافِهِ فَفِي النَّارِ وَعَنْ النَّوَوِيِّ هُمْ فِي الْجَنَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ خُدَّامُ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
وَقِيلَ: فِي الْأَعْرَافِ، لَعَلَّ الصَّحِيحَ التَّوَقُّفُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ أَدِلَّةَ كُلٍّ لَا تُفِيدُ الظَّنَّ فَضْلًا عَنْ الْقَطْعِ فَمَا ذَكَرُوا إمَّا بِالرَّأْيِ أَوْ الْقِيَاسِ أَوْ مَأْخُوذٌ مِنْ الْأَخْبَارِ الْوَاهِيَةِ وَمَسْأَلَةُ أُصُولِ الدِّينِ لَا تُتَلَقَّى إلَّا مِمَّنْ يَنْقَطِعُ الْعُذْرُ دُونَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا نُقِلَ عَنْ التوربشتي فِي شَرْحِ الْمَصَابِيحِ.
(وَالْمِعْرَاجُ) وَهُوَ السُّلَّمُ وَالْمِصْعَدُ وَعَرَجَ عُرُوجًا ارْتَقَى كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَالْمُرَادُ مُطْلَقُ الِانْتِقَالِ صُعُودًا حَتَّى يَشْمَلَ الْإِسْرَاءَ فَإِنَّ بَيْتَ الْمَقْدِسِ أَعْلَى مِنْ مَكَّةَ كَمَا قَالُوا (لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فَإِنْ قِيلَ: الْمَفْهُومُ مِنْهُ اخْتِصَاصُ الْمِعْرَاجِ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ مُطْلَقًا حُجَّةٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِينَ اتِّفَاقًا وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ وَحَمْلُ الْإِضَافَةِ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ بَعِيدٌ
قُلْنَا بَعْدَ تَسْلِيمِ عَدَمِ كَوْنِ الْمِعْرَاجِ مِنْ خَوَاصِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمُرَادُ الْمِعْرَاجُ الثَّابِتُ عِنْدَنَا وَمِعْرَاجُ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ لَيْسَ بِثَابِتٍ عِنْدَنَا وَلَوْ بِطَرِيقِ آحَادٍ صَحِيحٍ (فِي الْيَقَظَةِ) ضِدُّ الْمَنَامِ وَمَا رُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ رُؤْيَا صَالِحَةٌ وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - مَا فُقِدَ جَسَدُ مُحَمَّدٍ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ فَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الرُّؤْيَا بِالْعَيْنِ وَمَا فَقَدَ جَسَدُهُ رُوحَهُ بَلْ بِجَمِيعِهِمَا أَوْ الْمِعْرَاجُ تَكَرَّرَ مَرَّةً بِشَخْصِهِ وَمَرَّةً بِرُوحِ جَسَدِهِ (بِشَخْصِهِ) صُورَتِهِ الْجُسْمَانِيَّةِ لَا بِالرُّوحِ فَقَطْ كَمَا زُعِمَ (مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) أَيْ مِنْ حَطِيمِهِ أَوْ مِنْ حَجَرِهِ عَلَى شَكِّ رُوَاتِهِ كَمَا نُقِلَ الْحَدِيثُ فِي الْمَوَاهِبِ عَنْ الْبُخَارِيِّ (إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَصْفُهُ بِالْأَقْصَى قِيلَ: لِبُعْدِهِ عَنْ مَكَّةَ.
قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ وَرَاءَهُ مَسْجِدٌ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ أَقْصَى فِي الْفَضْلِ حِينَئِذٍ بَلْ الْآنِ وَلَوْ إضَافِيًّا لِأَنَّ أَفْضَلَ الْمَسَاجِدِ الْمَسَاجِدُ الثَّلَاثَةُ وَلَوْ كَانَ الْأَفْضَلُ فِيهَا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ هَذَا الْقَدْرُ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ الْقَطْعِيِّ فَمُنْكِرُهُ كَافِرٌ (ثُمَّ) مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى (إلَى السَّمَاءِ) أَيْ جَمِيعِ السَّمَاءِ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ أَوْ جِنْسِهَا لِيَشْمَلَ السَّبْعَ بَلْ التِّسْعَ وَلَوْ مَجَازًا هَذَا بِالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ فَمُنْكِرُهُ مُبْتَدِعٌ وَدَعْوَى امْتِنَاعِ الْخَرْقِ وَالِالْتِئَامِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْفَلَاسِفَةِ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْأَجْسَامَ مُتَمَاثِلَةٌ فَمَا يُمْكِنُ لِلْبَعْضِ مُمْكِنٌ لِلْبَاقِي (ثُمَّ إلَى مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْعُلَى) كَالْعَرْشِ