(وَالْجَمَاعَةِ) أَيْ جَمَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ وَهُمْ الْأَصْحَابُ وَالتَّابِعُونَ وَهُمْ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ الْمُشَارُ إلَيْهَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إلَّا وَاحِدَةً قِيلَ: وَمَنْ هُمْ قَالَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» .

قَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَضُدُ: الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ وَهُمْ الْأَشَاعِرَةُ لَعَلَّ مُرَادَهُ إمَّا تَغْلِيبَ أَوْ عُمُومَ مَجَازٍ أَوْ ادِّعَاءَ اتِّحَادِهِمْ مَعَ الْمَاتُرِيدِيَّةِ الَّذِينَ تَابَعُوا فِي الْأُصُولِ كَالْحَنَفِيَّةِ إلَى عَلَمِ الْهُدَى الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ وَجْهُ كَوْنِهِمْ فِرْقَةً نَاجِيَةً الْتِزَامُهُمْ كَمَالَ مُتَابَعَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ فِي مُعْتَقَدَاتِهِمْ بِلَا تَجَاوُزٍ عَنْ ظَاهِرِ نَصٍّ بِلَا ضَرُورَةٍ وَلَا اسْتِرْسَالٍ إلَى عَقْلٍ خِلَافًا لِمُخَالِفِيهِمْ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الدَّوَانِيُّ.

وَفِي أَوَائِلِ كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ مِنْ التتارخانية عَنْ الْمُضْمَرَاتِ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: الْمُؤْمِنُ إذَا أَحَبَّ السُّنَّةَ وَالْجَمَاعَةَ اسْتَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى دُعَاءَهُ وَقَضَى حَوَائِجَهُ وَغَفَرَ لَهُ الذُّنُوبَ وَكَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بَرَاءَةً مِنْ النَّارِ وَبَرَاءَةً مِنْ النِّفَاقِ.

وَفِي خَبَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ كَانَ عَلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا عَشْرَةَ حَسَنَاتٍ وَرَفَعَ لَهُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ» وَتَمَامُهُ مَعَ تَفْصِيلِهِ هُنَالِكَ (وَجُمْلَتُهُ) أَيْ جُمْلَةُ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ بِمَعْنَى كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ مِمَّا يَكُونُ ضَرُورِيًّا بِحَيْثُ يَكُونُ عَدَمُهُ كُفْرًا أَوْ ضَلَالَةً فَإِنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا جَمِيعُ هَذِهِ الْأُصُولِ أَوْ جُمْلَتُهُ إجْمَالُهُ بِمَعْنَى أَنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا هُوَ قَضَايَا كُلِّيَّةٌ يَنْدَرِجُ تَحْتَهَا تَفْصِيلَاتُ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَإِلَّا فَتَفَاصِيلُ مَذْهَبِهِمْ لَمْ تُذْكَرْ هُنَا وَلَا يَتَحَمَّلُ ذِكْرَهَا كِتَابُنَا فَالْمَذْكُورُ هُنَا تَفْصِيلُ الْأُصُولِ وَإِجْمَالُ الْكُلِّ (أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَاحِدٌ) الْمُتَبَادَرُ وَحْدَةٌ ذَاتِيَّةٌ وَإِنْ شِئْت قُلْت: مُطْلَقًا أَيْ ذَاتِيَّةٌ أَوْ وَصْفِيَّةٌ وَفِي تَصْدِيرِهِ بِأَنَّ الْمُؤْذِنَةَ بِالتَّحْقِيقِ وَالدَّالَّةَ عَلَيْهِ إشَارَةٌ إلَى لُزُومِ الِاطِّلَاعِ وَالْعِرْفَانِ عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ وَالْيَقِينِ فِي كَوْنِهِ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ لَكِنْ يَشْكُلُ بِاعْتِبَارِ إيمَانِ الْمُقَلِّدِ عِنْدَنَا وَقَدْ يَعْتَبِرُ بَعْضُهُمْ جَوَازَ 7 الظَّنِّ فِي أَصْلِ الْإِيمَانِ فَيَدْفَعُ بِإِرَادَةِ كَمَالِ الْمَذْهَبِ فَإِنْ قِيلَ: كَلِمَةُ أَحَدٍ أَكْمَلُ مِنْ الْوَاحِدِ كَمَا فِي الْإِتْقَانِ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ وَمُخْتَصٌّ بِوَصْفِ اللَّهِ دُونَ كَلِمَةِ وَاحِدٍ كَمَا نَقَلَ هُوَ عَنْ مُفْرَدَاتِ الْقُرْآنِ لِلرَّاغِبِ فَلِمَ اخْتَارَ وَاحِدًا عَلَى أَحَدٍ قُلْنَا: نَعَمْ لَكِنَّ أَحَدًا مُسْتَعْمَلٌ فِي النَّفْيِ أَكْثَرِيًّا وَهُنَا إثْبَاتٌ وَأَمَّا فِي سُورَةِ الْإِخْلَاصِ فَتَجُوزُ لِرِعَايَةِ الْفَوَاصِلِ لَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يَبْدَأَ بِوُجُودِهِ تَعَالَى ثُمَّ يُجْرِيَ عَلَيْهِ سَائِرَ صِفَاتِهِ وَلَعَلَّهُ اكْتَفَى بِالدَّلَالَةِ الِالْتِزَامِيَّةِ إذْ الْوَحْدَانِيَّةُ تَسْتَلْزِمُ الْوُجُودَ وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِهَذِهِ الدَّلَالَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَفِي بِتَصْرِيحِهِ لِأَنَّهُ بَدِيهِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا وَإِلَى جَمِيعِ مُخَالِفِينَا خِلَافًا مُعْتَدًّا بِهِ وَأَنَا أَقُولُ: لَقَدْ أَعْجَبُ فِي ابْتِدَائِهِ حَيْثُ افْتَتَحَ ذَلِكَ الْمَبْحَثَ بِمَضْمُونِ افْتِتَاحِ الْإِيمَانِ مِنْ الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ التَّوْحِيدِيَّةِ ثُمَّ مَعْرِفَةِ كَوْنِهِ تَعَالَى وَاحِدًا هُوَ التَّوْحِيدُ الْمُفَسَّرُ بِأَنَّهُ إثْبَاتُ وُجُودِ فَرْدٍ وَاحِدٍ لِلْوَاجِبِ وَامْتِنَاعُ فَرْدٍ آخَرَ مِنْهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015