لَيْسَ لَهُ ضَعْفٌ بَلْ لَهُ قُوَّةٌ وَلَكِنْ يَتَكَاسَلُ فَلَيْسَ عَطْفًا لَهُ كَمَا تَوَهَّمَ.
(وَلَا الْجَهْلُ) لَهُ فِيمَا يَنْفَعُهُمْ سِيَّمَا فِي أَمْرِ دِينِهِمْ كَالْإِفْرَاطِ فِي الطَّاعَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ فَلَا يُتَصَوَّرُ لَهُ الْجَهْلُ (فِي أَمْرِ الدِّينِ) الظَّاهِرُ مَعْنَى كَوْنِهِ قَيْدًا لِلْجَمِيعِ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ لَفْظًا كَوْنُهُ قَيْدًا لِلْأَخِيرِ فَقَطْ وَأَيْضًا هَذَا هُوَ الْمُلَائِمُ لِقَاعِدَةِ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ لِلشَّافِعِيَّةِ فِي أَنَّ الْقَيْدَ بَعْدَ الْجُمَلِ الْمُتَعَاطِفَةِ هَلْ لِلْمُجْتَمِعِ أَوْ لِلْأَخِيرِ كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالصِّفَةِ (فَلَوْ كَانَ فِي الْعِبَادَةِ وَالْقُرْبِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى طَرِيقٌ) مَوْصُولٌ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (أَفْضَلُ وَأَنْفَعُ غَيْرَ مَا) أَيْ طَرِيقٍ (هُوَ) - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فِيهِ) فِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ (لَفَعَلَهُ) - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَوْ بَيَّنَهُ وَحَثَّ) أَغْرَى وَحَرَّضَ (عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ هَادِي الْأُمَّةِ وَمُبَلِّغُ الْأَمَانَةِ وَنَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (فَنَجْزِمُ قَطْعًا أَنَّ) جَمِيعَ (مَا هُوَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَقْوَالًا وَأَفْعَالًا وَأَحْوَالًا (وَأَفْضَلُ) عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى (وَأَنْفَعُ) لِلْعَابِدِ (وَأَقْرَبُ إلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرِضَاهُ مِنْ كُلِّ مَا عَدَاهُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَيْدٌ لِلْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ دُونَ الْأَخِيرِ فَقَطْ وَلَوْ خُصَّ بِذَلِكَ فَلَا يَخْلُو عَنْ وَجْهٍ إذْ الْكُلُّ رَاجِعٌ إلَى رِضَاهُ تَعَالَى وَمُعْظَمُ مَقْصُودِ الْمُتَصَوِّفَةِ هُوَ مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَتَأَمَّلْ.
هَذَا ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ أَوْ بَيَّنَهُ إنْ أَرَادَ الْبَيَانَ التَّفْصِيلِيَّ فَلَا نُسَلِّمُ لُزُومَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ عَمَلٍ شَرْعِيٍّ وَأَنَّ الْإِجْمَالِيَّ فَلَا نُسَلِّمُ عَدَمَ صُدُورِهِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ ظَاهِرٌ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69] .
وَقَوْلِهِ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] ، وَقَوْلِهِ {كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} [عبس: 23] وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَامَةُ إعْرَاضِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِهِ اشْتِغَالُهُ بِمَا لَا يَعْنِيهِ وَأَنَّ امْرَأً لَوْ أَذْهَبَ سَاعَةً مِنْ عُمْرِهِ إلَى غَيْرِ مَا خُلِقَ لَهُ لَجَدِيرٌ أَنْ تَطُولَ حَسْرَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَوْلُهُ لَيْسَ يَتَحَسَّرُ أَهْلُ الْجَنَّةِ إلَّا عَلَى سَاعَةٍ مَرَّتْ بِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى فِيهَا وَنَحْوُهَا بَيَانٌ إجْمَالِيٌّ لِجَمِيعِ مَا أَتَى بِهِ السَّلَفُ مِمَّا عُدَّ إفْرَاطًا فَمَا عَلَيْهِ السَّلَفُ لَيْسَ غَيْرَ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا عَلَيْهِ السَّلَفُ، وَإِنْ لَمْ يَرِدْ عَلَى خُصُوصِهِ وَتَفْصِيلِهِ بَيَانٌ نَبَوِيٌّ لَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَابَ فِي دُخُولِهِ تَحْتَ الْعُمُومَاتِ النَّبَوِيَّةِ وَإِشَارَاتِهَا وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ مِنْهُمْ التَّجَاوُزُ عَنْ التَّجْدِيدِ النَّبَوِيِّ وَكُلُّهُمْ صَالِحُونَ وَأَكْثَرُهُمْ مُجْتَهِدُونَ وَهُمْ الْعَارِفُونَ مَعَانِيَ النُّصُوصِ وَالْمُرَادَ الْحَقِيقِيَّ مِنْهَا وَفِيهِمْ صَحَابِيٌّ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ تَقْلِيدِ مَنْ بَعْدَهُمْ إيَّاهُمْ فِيمَا شَاعَ وَسَكَتُوا وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقِيلِ إذَا لَمْ يَرِدْ إنْكَارٌ مِمَّنْ فِي قَرْنِهِمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ تَابِعِيٌّ وَالتَّابِعِيُّ كَالصَّحَابِيِّ إنْ ظَهَرَ فِي عَصْرِهِمْ عَلَى اخْتِيَارِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَتَصْحِيحِ بَعْضِهِمْ.
وَمَذْهَبُ إمَامِنَا أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى وُجُوبُ تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ عَلَى الْأَعْلَمِ مِنْهُ وَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهِمْ أَعْلَمَ مِنْ غَيْرِهِمْ كَالْإِمَامِ كَمَا سَمِعْت سَابِقًا لَعَلَّ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَتَمَشَّى بِجِنْسِ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ سَابِقًا مِنْ التَّوْفِيقِ بِحَالِ الِابْتِدَاءِ كَمَا لِلْعَوَامِّ وَحَالِ الِانْتِهَاءِ كَمَا لِلْخَوَّاصِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ مِنْ الْعِلْمِ كَهَيْئَةِ الْمَكْنُونِ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْعُلَمَاءُ بِاَللَّهِ» ، فَإِذَا قَالُوهُ لَا يُنْكِرُهُ إلَّا أَهْلُ الْغُرَّةِ بِاَللَّهِ فُسِّرَ أَهْلُ الْغُرَّةِ بِالْعُلَمَاءِ الظَّاهِرِيَّةِ وَمَا اعْتَذَرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ فَيُحْمَلُ مَا رُوِيَ إلَخْ فَسَتَعْرِفُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ قِيلَ إشَارَةً إلَى تَعْرِيضِ الْمُصَنِّفِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا مِقْدَارُ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الظَّاهِرِ مِنْ سِيرَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَأَمَّا سِيرَتُهُ الْخَاصَّةُ الْبَاطِنَةُ فَأَسَرَّهَا - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِخَوَاصِّ أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّهَا الْعُلُومُ الْمَخْزُونَةُ وَالْمَعَارِفُ الْإِلَهِيَّةُ الْمَكْنُونَةُ.
وَقَالَ «فِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ: وَعَلَّمَنِي عُلُومًا شَتَّى فَعِلْمٌ أَخَذَ عَلَيَّ كِتْمَانَهُ وَعِلْمٌ خَيَّرَنِي فِيهِ وَعِلْمٌ أَمَرَنِي بِتَبْلِيغِهِ» الْحَدِيثُ فَهِيَ مَوْرُوثَةٌ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَالْعِلْمِ الظَّاهِرِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَقُولُ حَفِظْت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وِعَاءَيْنِ مِنْ الْعِلْمِ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْته، وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَوْ