عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ (فِيهَا بِأَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ) اللَّذَيْنِ أُشِيرَ إلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ (قَالَ فِي التتارخانية السُّلْطَانُ إذَا دَفَعَ أَرَاضِيَ لَا مَالِكَ لَهَا) بِأَنْ لَا تُمْلَكَ لِأَحَدٍ مِنْ الْغَانِمِينَ بِطَرِيقِ الْخَرَاجِيَّةِ أَوْ الْعُشْرِيَّةِ (وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى أَرَاضِيَ الْمَمْلَكَةِ) وَالْأَرَاضِيَ الْأَمِيرِيَّةُ لِتَعَلُّقِ أُمُورِهَا بِالْأَمِيرِ أَوْ الْأَرْضَ الْمِيرِيَّةَ فَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ (إلَى قَوْمٍ) الظَّاهِرُ دُونَ الْمُقَاتِلَةِ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ خَرَاجِيَّةً أَوْ عُشْرِيَّةً (لِيُعْطُوا الْخَرَاجَ جَازَ) مُوَظَّفًا كَمَا سَمَّوْهُ فِي دِيَارِنَا بِرَسْمِ زَمِينٍ أَوْ رَسْمِ جَفَّتْ أَوْ مُقَاسَمَةً وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالْعُشْرِ سَوَاءٌ كَانَ ثُمُنًا كَمَا فِي بَعْضِ الدِّيَارِ أَوْ عُشْرًا كَمَا فِي أُخْرَى أَوْ نِصْفًا كَمَا فِي بَعْضِ الْأَرَاضِي (وَطَرِيقُ الْجَوَازِ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ إمَّا إقَامَتُهُمْ) أَيْ لِقَوْمِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِمْ (مَقَامَ الْمُلَّاكِ فِي الزِّرَاعَةِ، وَإِعْطَاءُ الْخَرَاجِ) إلَى الْمَصَارِفِ كَالْمُقَاتِلَةِ لَعَلَّ الْكَلَامَ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ، أَوْ يُرَادُ مِنْ الْخَرَاجِ مَا يَعُمُّ الْعُشْرَ، وَإِلَّا فَالْإِقَامَةُ مَقَامَ الْمِلْكِ لَا تُوجِبُ كَوْنَ الْمِلْكِ مُخْتَصًّا بِالْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ بَلْ الْعُشْرِيَّةُ كَذَلِكَ لَكِنَّ ظَاهِرَ عِبَارَتِهِ كَمَا تَرَى، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِتَصْرِيحِ أَبِي السُّعُودِ مِنْ أَنَّ رَقَبَةَ أَرْضِ الْمَمْلَكَةِ لِبَيْتِ الْمَالِ تَصَرُّفُهَا مُفَوَّضٌ إلَى الرَّعَايَا يُعْطُونَ خَرَاجَهَا مُوَظَّفَهَا عَلَى رَسْمِ جَفَّتْ وَخَرَاجَ مُقَاسَمَتِهَا بِاسْمِ الْعُشْرِ وَأَشَارَ إلَى ثَانِي الشَّيْئَيْنِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ الْإِجَارَةُ) فَعَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: إمَّا إقَامَتُهُمْ فَالْمُؤَجِّرُ هُوَ السُّلْطَانُ أَوْ وُكَلَاؤُهُ، وَالْأُجْرَةُ (بِقَدْرِ الْخَرَاجِ) أَيْ مَحْصُولِ الْأَرْضِ أَيْ عَلَى طَاقَةِ الْأَرْضِ لَكِنْ يَشْكُلُ أَنَّ بَيَانَ الْمُدَّةِ شَرْطٌ فِي الْإِجَارَةِ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ مِنْ قَبِيلِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، وَاللَّازِمُ فِي الْإِجَازَةِ الْفَاسِدَةِ هُوَ أَجْرُ الْمِثْلِ لَكِنْ لَا يُلَائِمُهُ إطْلَاقُ مُطْلَقِ الْجَوَازِ.
وَأَيْضًا يَلْزَمُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ بِمُجَرَّدِ التَّمَكُّنِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ الْمَنْفَعَةَ بَلْ إنْ زَرَعَ فَأَصَابَتْ الزَّرْعَ آفَةٌ
قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا، فَأَصَابَتْ الزَّرْعَ آفَةٌ فَهَلَكَ، أَوْ غَرِقَتْ الْأَرْضُ، وَلَمْ تُنْبِتْ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ تَامًّا ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ قَبَضَ الْأَرْضَ، وَلَمْ يَزْرَعْهَا حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَمَامُ الْأَجْرِ، وَالشَّائِعُ فِي زَمَانِنَا عَدَمُ الْأَجْرِ عِنْدَ عَدَمِ الزَّرْعِ وَلَوْ صَلَحَتْ الْأَرْضُ لِلزِّرَاعَةِ نَعَمْ يَأْخُذُونَ رَسْمَ الزَّمِينِ مُطْلَقًا (وَيَكُونُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ خَرَاجًا فِي حَقِّ الْإِمَامِ أُجْرَةً فِي حَقِّهِمْ انْتَهَى) فَيَصْرِفُهُ مَصْرِفَ الْخَرَاجِ فَلَا يُصْرَفُ إلَى مَا لَا يَجُوزُ صَرْفُ الْخَرَاجِ إلَيْهِ فَمَا فِي بَعْضِ الرَّسَائِلِ عَنْ أَبِي السُّعُودِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ جَوَازِ أَيِّ مَحَلٍّ أَرَادَ فَمَحَلُّ خَفَاءٍ (فَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ) مِنْ إقَامَةِ الْمُلَّاكِ وَالْإِجَارَةِ (لَا يَجْرِي فِيهِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَالشُّفْعَةُ وَالْوَقْفُ وَالْإِرْثُ وَنَحْوُهَا) مِنْ الرَّهْنِ الْوَدِيعَةِ وَالْإِعَارَةِ (أَمَّا عَلَى) الْوَجْهِ (الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ إقَامَتَهُمْ مَقَامَ الْمُلَّاكِ لِضَرُورَةِ صِيَانَةِ حَقِّ الْمُقَاتِلَةِ عَنْ الضَّيَاعِ أَعْنِي الْخَرَاجَ) تَفْسِيرٌ لِلْحَقِّ (فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، وَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا) ؛ إذْ الضَّرُورَةُ تَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا يَرِدُ عَلَيْهِ إرْثُ الذُّكُورِ إلَّا أَنْ يُدَّعَى: الْمَانِعُ مِنْ الْإِنَاثِ عَدَمُ اقْتِدَارِهِنَّ عَلَى التَّصَرُّفِ بِأَنْفُسِهِنَّ فَفِيهِ مَا فِيهِ فَتَأَمَّلْ لَكِنْ إذَا قِيلَ أَمَّا الْمُقِيمُ أَيْ السُّلْطَانُ إذَا أَقَامَ هَكَذَا يَعْنِي بِإِقَامَةِ الْآبَاءِ ابْتِدَاءً وَالْأَوْلَادِ الذُّكُورِ بَعْدَ انْتِقَالِهِمْ يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ لَكِنْ يَرِدُ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَنْ تَجُوزَ إقَامَتُهُمْ فِي حَقِّ جَمِيعِ مَا ذَكَرَ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَظَاهِرُ سَوْقِهِ عَدَمُ جَوَازِ ذَلِكَ لِلسُّلْطَانِ لَعَلَّ الْحَقَّ جَوَازُ كُلِّ ذَلِكَ لِلسُّلْطَانِ إنْ رَأَى ذَلِكَ لِمَا فِي الْفَتَاوَى الزَّيْنِيَّةِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ لِلْإِمَامِ بَيْعَ عَقَارِ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ مُطْلَقًا وَعَلَى الْمُفْتَى بِهِ لِحَاجَةٍ أَوْ
مَصْلَحَةٍ
ثُمَّ ظَاهِرُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا، وَصَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّ لِلْإِمَامِ وِلَايَةً عَامَّةً، وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ