السَّلَامِ قُلْنَا إمَّا لِتَعْلِيمِ الْجَوَازِ أَوْ لِأَنَّ لِلصَّلَاةِ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا عَامٌّ لِلسَّلَامِ وَالْآخَرُ لَيْسَ بِعَامٍّ وَكَذَا السَّلَامُ أَوْ هُوَ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْمُخَاطَبِينَ أَوْ هُوَ مِنْ خَوَاصِّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ثُمَّ السَّلَامُ كَالصَّلَاةِ لَا يُفْرَدُ بِهِ غَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ.
وَأَمَّا مَنْ اُخْتُلِفَ فِي نُبُوَّتِهِ فَقِيلَ كَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَعَنْ النَّوَوِيِّ لَا بَأْسَ فِي ذَلِكَ بَلْ الْأَوْلَى التَّرْضِيَةُ.
(عَلَى أَفْضَلِ مِنْ أُوتِيَ) أَيْ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى (النُّبُوَّةُ) مِنْ النَّبَأِ بِمَعْنَى الْخَبَرِ بِمَعْنَى الْمُخْبَرِ إنْ مَهْمُوزًا وَبِمَعْنَى الِارْتِفَاعِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَهْمُوزًا وَالْمُرَادُ هُنَا عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْأَكَابِرِ سِفَارَةٌ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ ذَوِي الْأَلْبَابِ لِإِزَاحَةِ عِلَلِهِمْ وَالنَّبِيُّ إنْسَانٌ بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى الْخَلْقِ لِتَبْلِيغِ مَا أَوْحَى إلَيْهِ فَأُورِدَ بِمَنْ بُعِثَ لِمُجَرَّدِ إكْمَالِ نَفْسِهِ فَاكْتَفَى فِي التَّعْرِيفِ بِمُجَرَّدِ الْوَحْيِ فَرُدَّ بِلُزُومِ نُبُوَّةِ نَحْوِ مَرْيَمَ وَآسِيَةَ وَالْتِزَامُهُ شَاذٌّ.
وَأُجِيبَ عَنْ أَصْلِ الِاعْتِرَاضِ بِتَأْوِيلِ الْخَلْقِ وَالتَّبْلِيغِ ثُمَّ أُورِدَ أَيْضًا بِمَنْ بُعِثَ لِتَبْلِيغِ الْغَيْرِ كَمَا فِي بَنِي إسْرَائِيلَ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَبْلِيغِ ذَلِكَ وَهُوَ مِمَّا أُوحِيَ إلَيْهِ وَإِنْ شَرَعَ غَيْرُهُ إلَيْهِ فِيمَا أُوحِيَ فِي الْجُمْلَةِ وَالنَّبِيُّ مُرَادِفٌ مَعَ الرَّسُولِ عَلَى مَا حَكَى ابْنُ الْهُمَامِ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ وَابْنِ حَجَرٍ خَطَّأَهُ فِيمَا نَسَبَهُ وَذَهَبَ إلَى الْعُمُومِ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ مَنْ لَهُ إلْهَامٌ رَبَّانِيٌّ فَقَطْ وَالرَّسُولُ مَنْ لَهُ إلْهَامٌ وَكِتَابٌ. أُورِدَ بِأَنَّ الْكُتُبَ قَلِيلَةٌ وَالرُّسُلَ كَثِيرَةٌ إذْ هِيَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَثِمِائَةٍ وَدُفِعَ بِمَأْمُورِيَّةِ تَبْلِيغِ كِتَابٍ وَلَوْ نَزَلَ إلَى الْغَيْرِ أَوْ بِتَكَرُّرِ نُزُولِهِ وَقِيلَ الرَّسُولُ هُوَ الْمَأْمُورُ بِتَبْلِيغِ أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ سَوَاءٌ لَهُ كِتَابٌ أَوْ لَا وَالنَّبِيُّ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا إشْكَالَ ثُمَّ لَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّف مَنْ أُوتِيَ الرِّسَالَةَ بَدَلَ النُّبُوَّةِ مَعَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِمَّا ذَكَرَ أَفْضَلِيَّةُ جِهَةِ الرِّسَالَةِ مِنْ جِهَةِ النُّبُوَّةِ لِأَنَّ عِنْدَهُ التَّرَادُفَ أَوْ لِإِيهَامِ إثْبَاتِ الْأَفْضَلِيَّةِ مِنْ جِهَتَيْ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ يَعْنِي أَنَّهُ أَفْضَلُ فِي أَصْلِ النُّبُوَّةِ وَمَعَ مَا فِيهِ مِنْ الرِّسَالَةِ أَوْ لِإِيهَامِ أَنَّهُ لَوْلَا جِهَةُ الرِّسَالَةِ لَكَفَى جِهَةُ النُّبُوَّةِ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ فَيَنْدَفِعُ مَا أَوْرَدَ أَيْضًا أَنَّهُ لِكَوْنِ الْمَقَامِ مَقَامَ تَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ يَلِيقُ ذِكْرُ الرِّسَالَةِ ثُمَّ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْقَلْبِ لِأَنَّ النُّبُوَّةَ أُوتِيَتْ لَهُ لَا الْعَكْسُ وَمِنْ أَفْضَلِيَّةِ كَوْنِهِ مَبْعُوثًا إلَى كَافَّةِ الثَّقَلَيْنِ وَالْمَلَائِكَةِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ كَالسُّبْكِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى - {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1]- وَخَبَرِ «أُرْسِلْت إلَى الْخَلْقِ كَافَّةً» خِلَافًا لِمَنْ اخْتَصَّ بِالْأَوَّلِينَ مُدَّعِيًا فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَإِنْ رَدَّ مُدَّعِي الْإِجْمَاعِ بِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِيهِ كَمَا فِي الْمُنَاوِيِّ.
قَالَ السُّيُوطِيّ عَنْ السُّبْكِيّ أُرْسِلَ لِلْخَلْقِ كَافَّةً وَكُلُّ الْأَنْبِيَاءِ نُوَّابٌ وَمَعُونَاتٌ لَهُ وَمُرْسَلٌ إلَى الْجِنِّ وَالْمَلَكِ فِي الْقَوْلِ الرَّاجِحِ وَبُعِثَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ حَتَّى الْكُفَّارِ بِتَأْخِيرِ الْعَذَابِ، ثُمَّ قَالَ هُوَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ وَأَفْضَلُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ وَالْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَنِسَاؤُهُ أَفْضَلُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ وَبَلَدُهُ أَفْضَلُ الْبِلَادِ إلَّا مَكَّةَ وَمَسْجِدُهُ أَفْضَلُ الْمَسَاجِدِ وَالْبُقْعَةُ الَّتِي دُفِنَ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ الْكَعْبَةِ دُونَ الْعَرْشِ وَالتُّرْبَةِ الَّتِي مَاسَّتْ بَدَنَهُ الشَّرِيفَ أَفْضَلُ مِنْ الْعَرْشِ.
وَأَيْضًا حَكَى السُّيُوطِيّ عَنْ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْمَاوَرْدِيِّ عَدَمَ جَوَازِ الْخَطَإِ وَعَنْ قَوْمٍ عَدَمَ النِّسْيَانِ أَيْضًا جَامِعٌ لِخَوَاصِّ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَأَنَّهُ نَبِيُّ الْأَنْبِيَاءِ وَمَا مِنْ نَبِيٍّ لَهُ خَاصَّةٌ فِي أُمَّتِهِ إلَّا وَفِي أُمَّتِهِ عَالِمٌ مِنْ عُلَمَائِهَا يَقُومُ فِي قَوْمِهِ مَقَامَ ذَلِكَ النَّبِيِّ فِي أُمَّتِهِ كَمَا وَرَدَ «عُلَمَاءُ أُمَّتِي كَأَنْبِيَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ» وَأَنَّ لَهُ الشَّفَاعَةَ الْعُظْمَى وَالْمَقَامَ الْمَحْمُودَ وَاللِّوَاءَ الْمَعْقُودَ وَالْحَوْضَ وَالْكَوْثَرَ وَالْوَسِيلَةَ وَآدَمُ وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِهِ وَبِالْجُمْلَةِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْبَيَانِ عَنْ إحَاطَةِ مَا دَلَّ عَلَى فَضْلِهِ وَلِذَا صُنِّفَ فِيهِ الْكُتُبُ وَالرَّسَائِلُ الطِّوَالُ وَالْقِصَارُ فَلْنَكْتَفِ بِهَذَا الْمِقْدَارِ
(وَالْحِكَمُ) جَمْعُ حِكْمَةٍ وَهِيَ تَحْقِيقُ الْعِلْمِ وَإِتْقَانُهُ مُنْقَسِمَةٌ إلَى حِكْمَةٍ نَظَرِيَّةٍ وَعَمَلِيَّةٍ وَقِيلَ الْعِلْمُ اللَّدُنِّي وَقِيلَ عِلْمُ الشَّرَائِعِ وَقِيلَ وَقِيلَ (وَعَلَى آلِهِ) أَعَادَ لَفْظَ عَلَى مَعَ دَلَالَتِهِ عَلَى نَوْعِ اسْتِقْلَالٍ، وَالْمَقَامُ مَقَامُ التَّبَعِيَّةِ رَدًّا عَلَى الشِّيعَةِ وَالرَّوَافِضِ فَإِنَّ إعَادَةَ عَلَى عِنْدَهُمْ مَكْرُوهَةً بِحَدِيثٍ لَيْسَ لَهُ صِحَّةٌ وَلَوْ فُرِضَ فَلَيْسَ بِجَارٍ بَلْ اسْمُ فِعْلٍ لَعَلَّ وَجْهَ الْتِزَامِهِمْ تَرْكُهُ لِإِيجَابِ إتْيَانِ الْمُبَاعِدَةِ وَهُمْ يَلْتَزِمُونَ كَمَالَ الْمُقَارَبَةِ ثُمَّ أَصْلُ آلٍ أَهْلُ بِدَلِيلِ أُهَيْلٍ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَعِنْدَ الْكِسَائِيّ أَوَّلٌ بِدَلِيلِ أُوَيْلٍ ثُمَّ خُصَّ بَعْدَ الْقَلْبِ أَوْ مُطْلَقًا بِمَا لَهُ شَرَفٌ مِنْ الْعُقَلَاءِ أَوْ رُدَّ