إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أراد ما العباد فاعلوه، ولو عصمهم الله لما خالفوه، ولو شاء أن يطيعوه جميعاً لأطاعوه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله! فأوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن، وخشيته تبارك وتعالى في الغيب والشهادة، فإن تقوى الله جل وعلا أزين ما أظهرتم، وأكرم ما أسررتم، وأعظم ما ادخرتم: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا} [النساء:131].
عباد الله! إن مما شرعه الله لنا في كتابه أن جمع لنا سنة المعصوم صلى الله عليه وسلم في آية واحدة، قال الله جل وعلا: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]، ومن علم ما أضفى الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من الهدي الكامل والطريق القويم علم أن الخير كله في اتباع أمره واجتناب نهيه صلوات الله وسلامه عليه، مع محبته وتوقيره، ألا وإن هناك جملة من المنهيات، نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الأخذ بها صلاح للفرد وصلاح للمجتمع، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا).
عباد الله! مما نهى نبينا صلى الله عليه وسلم عنه كما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن نبينا صلى الله عليه وسلم: (نهى عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه)، نهى البائع والمبتاع، وفي رواية صحيحة: (أنه سئل عن صلاحها؟ قال: إذا ذهبت عنها العاهة).
وفي الصحيحين أيضاً من حديث أنس رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، قيل: وما صلاحها؟ قال: حتى تزهو، قيل له: وما زهوها؟ قال: تحمار أو تصفار).
عباد الله! من هذا يفهم أن بيع الثمار إنما يسمى: بيعاً للثمرة لا بيعاً للأصول، وفي مثل هذه الأوقات من كل عام في المناطق الزراعية يكثر ما يسمى: ببيع الصيف أو شرائه، ولما كان المؤمن مقيداً بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب عليه أن يتقيد بأمره ونهيه صلوات الله وسلامه عليه، والضابط الشرعي في شراء الثمار: أن تذهب عنها العاهة، أي: أن يغلب على الظن أن العاهة لا تصيبها، أي: الجائحة وما أشبهها، وهذا في الأغلب يكون إذا بدأ أول نضجها؛ ولهذا عبر عنه أنس رضي الله عنه وأرضاه: بأن تحمار أو تصفار، أي: أن يظهر عليها شيء من الحمرة، أو شيء من الصفرة، قال الفقهاء: نهى النبي صلى الله عليه وسلم البائع؛ لأن في أخذه المال قبل بدو الصلاح مال لا مقابل له، ونهى المبتاع أي: المشتري؛ لأن فعله ذلك تغرير ومخاطرة بماله، وقد جاء الشرع برفع الضرر عن الكل، ومن هنا يعلم أن الخير كل الخير، بل الواجب على المسلم وجوباً حتمياً: أن يقف عند نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أي خير يرتجى، وأي كسب هذا الذي يؤمل ويبتغى، وقد اتخذ الإنسان له طريقاً يخالف به هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فتقيدوا طيب الله مكاسبكم بهدي نبيكم صلى الله عليه وسلم تفلحوا في الدارين، وتنجوا في الحياتين.
عباد الله! ألا وإن مما نهى عنه رسولنا صلى الله عليه وسلم ما رواه مسلم في الصحيح من حديث جابر رضي الله تعالى عنه وأرضاه: أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن الضرب في الوجه)، ونحن نعلم أن الشرع أعطى بعض الناس الحق في تأديب من حوله، كتأديب الوالد لولده، والمعلم لتلميذه، والزوج لزوجته عند خوف نشوزها، إذا لم ينفع معها وعظ ولا هجر في مضجع، فهنا يجوز له أن يضربها ضرباً غير مبرح.
والمقصود من الحديث على كل حال: تحريم الضرب في الوجه على أي حال يبتغى، بل قال بعض الفقهاء: حتى العدو إذا لقيته في المعركة وهو كافر فاحترز أن تضربه في وجهه، فربما أسلم وكان له شأن في إسلامه، فإذا كان هذا مما علمه الفقهاء واستنبطوه من الحديث النبوي، فكيف بمن يتعمد أن يضرب مؤمناً أياً كانت ولايته عليه على وجهه؟! إن في ذلك مخالفة صريحة صحيحة واضحة لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل فيها تعد على نهيه وزجره صلوات الله وسلامه عليه، قال العلماء من الفقهاء معللين ذلك: لأن الوجه موضع المحاسن، وفي ضرب المؤمن في وجهه إهانة للصورة التي كرم الله جل وعلا بها بني آدم، أن خلق أباهم آدم عليها.
والمقصود ولو لم تعرف العلة: أنه يجب عليك الوقوف عند هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.