إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أراد ما العباد فاعلوه، ولو عصمهم لما خالفوه، ولو شاء أن يطيعوه جميعاً لأطاعوه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، نبي الأميين، ورسول رب العالمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله! فأوصيكم ونفسي بتقوى الله جل وعلا سراً وجهاراً، وخشيته تبارك وتعالى غيباً وشهادة: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131].
عباد الله! نعت الله هذه الأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم في كتابه الكريم بقوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:143]، أي: أمة عدلاً خياراً، والمؤمن عظيم المعتقد في صحة الدين الذي يتقرب إلى الله جل وعلا به؛ فالمؤمنون جميعاً يعلمون أن الله لا يقبل ديناً غير دين الإسلام، قال الله جل وعلا: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85]، لكن المرء إذا ازداد تدبراً في هذا الدين ووسطيته، وما عليه الناس قديماً وحديثاً ازداد علماً ويقيناً أنه دين رب العالمين جل جلاله الذي ارتضاه لنفسه تبارك وتعالى وابتغاه لعباده، وتعبدهم به سبحانه جل شأنه.
أيها المؤمنون! أنبياء الله صفوة من الخلق، جعلهم الله جل وعلا رسلاً بينه وبين عباده، اختلف الناس فيهم فلم يلق أنبياء الله من أكثر اليهود إلا الرد والقتل، ووجد من أتباع عيسى من النصارى الغلو متمثلاً في شخص عيسى بن مريم، حتى نسبوه إلى الله ولداً، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، وجاء القرآن فقبَّح عظيم الفعلين، وشنع الله على ما صنعه اليهود بأنبيائهم، ونبه الله جل وعلا النصارى إلى عظيم جرمهم، قال الله جل وعلا عن اليهود: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:155]، وبالغ في حق عيسى بن مريم {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [النساء:171]، ثم بين القرآن المنهج الحق في أنبياء الله جل وعلا ورسله المصطفين الأخيار، الأئمة الأبرار، قال الله لنبيه: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام:90]، ومع ذلك لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} [الكهف:110]، فصلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، أئمة عدول، معصومون بعصمة الله جل وعلا لهم، بلغوا عن الله رسالاته، ونصحوا له في برياته، فاتباعهم هدي، ومحبتهم دين، والإيمان بهم جملة ركن عظيم من أركان الإيمان كما في حديث جبريل، قال الله جل وعلا عن الرعيل الأول، والجيل الأمثل: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285].