{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} . وفي المواطن الأخرى الثلاثة: {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ} {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً} . {وَأَنْزَلَ جُنُوداً} . وهنا قال: {أَنِّي مُمِدُّكُمْ} والمدد يكون من القيادة العليا. وبين تعالى الغرض من هذا الإمداد {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى لَكُمْ..} إلخ. بشرى وطمأنينة على أرض المعركة.
بعد مجيء المدد رسمت له خطة العمل بما يمكن أن تسميه تعليمات الميدان:
أ- {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} .
ب- {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ}
جـ- {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} .
ففيه تثبيت للملائكة أولا بقوله: {أَنِّي مَعَكُمْ} . وتثبيت للمؤمنين ثانيا. وقد جاء في الآثار أن المَلَك كان يأتي في صورة رجل معروف ويقول للمؤمنين إن عدوَّكم لا يقوى على لقائكم وإذا شددتم عليهم يفرون أمامكم. وفي الأثر: "أقدم حيزوم". وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه جبريل فقال: "ما كل ملائكة السماء أعرف يا رسول الله".
وقد تضافرت النصوص أنهم رأوا الملائكة على خيل بلق وكان شعارهم العمائم. وقال ابن عباس: "لم تقاتل الملائكة في يوم سوى يوم بدر من الأيام. وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عددا ومددا لا يضربون". وعن بردة قال: "جئت يوم بدر بثلاثة أرؤس فوضعتهن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أمّا رأسان فقتلتهما وأما الثالث فلم أقتله. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم حين ذاك: "قتلته الملائكة". وكان السائب بن أبي حسين يحدِّث في زمن عمر ويقول: "بينما أنا ببدر إذ أوثقني رجل بحبل ومضى عني فإذا ابن الزبير فأخذني وقال من أسر هذا وأنا أستحي أن أذكر ما وقع لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذاك أسره ملك. خذ أسيرك يا ابن الزبير".
وقوله: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْب} تقوية معنوية بما يسمى