فإياك أن تخلي ليلك ونهارك عن وقت تخلو فيه لمولاك وتتلذذ معه بمناجاتك له، وعند ذلك فعليك أن تتعلم آداب الصحبة مع الله تعالى.
وآدابها: إطراق الرأس، وغض الطرف، وجمع الهم، ودوام الصمت، وسكون الجوارح، ومبادرة الأمر، واجتناب النهي، وقلة الاعتراض على القدر، ودوام الذكر، وملازمة الفكر، وإيثار الحق على الباطل، والإياس عن الخلق، والخضوع تحت الهيبة والانكسار تحت الماء، والسكون عن حيل الكسب ثقة بالضمان والتوكل على فضل الله تعالى معرفة بحسن الاختيار.
وهذا كله ينبغي أن يكون شعارك في جميع ليلك ونهارك؛ فإنها آداب الصحبة مع صاحب لا يفارقك، والخلق كلهم يفارقونك في بعض أوقاتك.
وإن كنت عالما، فآداب العالم: الاحتمال، ولزوم الحلم، والجلوس بالهيبة على سمت الوقار مع إطراق الرأس، وترك التكبر على جميع العباد إلا على الظلمة زجرا لهم عن الظلم، وإيثارا للتواضع في المحافل والمجالس، وترك الهزل والدعابة، والرفق بالمتعلم، والتأني بالمتعجرف، وإصلاح البليد بحسن الارشاد، وترك الحرد عليه، وترك الأنفه من قول: (لا أدري) وصرف الهمة إلى السائل وتفهم سؤاله، وقبول الحجة، والانقياد للحق، والرجوع إليه عند الهفوة، ومنع المتعلم عن كل علم يضره، وزجره عن أن يريد بالعلم النافع غير وجه الله تعالى، وصد المتعلم عن أن يشتغل بفرض الكفاية قبل الفراغ من فرض العين.. وفرض عينه إصلاح ظاهره وباطنه بالتقوى، ومؤاخذه نفسه أولا بالتقوى ليقتدي المتعلم أولا بأعماله، ويستفيد ثانيا من أقواله.
وإن كنت متعلما، فآداب المتعلم مع العالم: أن يبدأه بالتحية والسلام، وأن يقلل بين يديه الكلام، ولا يتكلم ما لم يسأله أستاذه، ولا يسأل ما لم يستأذن أولا، ولا يقول في معارضة قوله: قال فلان بخلاف ما قلت، ولا يشير عليه بخلاف رأيه فيرى أنه أعلم بالصواب من أستاذه، ولا يسأل جليسه في مجلسه، ولا يلتفت إلى الجوانب، بل يجلس مطرقا ساكنا متآدبا كأنه في الصلاة، ولا يكثر عليه السؤال عند ملله، وإذا قام قام له، ولا يتبعه بكلامه وسؤاله، ولا يسأله في طريقه إلى أن يبلغ إلى منزله، ولا يسىء الظن به في أفعال ظاهرها منكرة عنده، فهو أعلم بأسراره، وليذكر عند ذلك قول موسى للخضر - عليهما السلام: (أَخَرَقتًها لِتُغرِقَ أَهلَها، لَقَد جِئتَ شَيئاً إمرا) ، وكونه مخطئا في إنكاره اعتمادا على الظاهر.
وإن كان لك والدان، فآداب الولد مع الوالدين: أن يسمع كلامهما، ويقوم لقيامهما؛ ويمتثل لأمرهما، ولا يمشي أمامهما، ولا يرفع صوته فوق