فلذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المهاجر من هجر السوء، والمجاهد من جاهد هواه) .
واعلم أنك إنما تعصي الله بجوارحك، وهي نعمة من الله عليك وأمانة لديك، فاستعانتك بنعمة الله على معصيته غاية الكفران، وخيانتك في أمانة استودعها الله غاية الطغيان؛ فأعضاؤك رعاياك، فانظر كيف ترعاها؛ فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته.
واعلم أن جميع أعضائك ستشهد عليك في عرصات القيامة بلسان طلق ذلق، تفضحك به على رؤوس الخلائق، قال الله تعالى: (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) ، وقال الله تعالى: (اليوم نختم على افواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون) . فاحفظ يا مسكين جميع بدنك من المعاصى، وخصوصا أعضاءك السبعة؛ فإن جهنم لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم، ولا يتعين لتلك الابواب إلا من عصا الله تعالى بهذه الاعضاء السبعة، وهي: العين، والأذن، واللسان، والبطن، والفرج، واليد، والرجل.
أما العين: فإنما خلقت لك لتهتدي بها في الظلمات، وتستعين بها في الحاجات، وتنظر بها إلى عجائب ملكوت الأرض والسموات، وتعتبر بما فيها من الآيات؛ ن فاحفظها عن أربع: أن تنظر بها إلى غير محرم، أو إلى صورة مليحة ولا بشهوة نفس، أو تنظر بها إلى مسلم بعين الاحتقار، أو تطلع بها على عيب مسلم.
وأما الأذن: فاحفظها عن أن تصغي بها إلى البدعة، أو الغيبة، أو الفحش، أالخوض في الباطل، أو ذكر مساوىء الناس؛ فإنما خلقت لك لتسمع بها كلام الله تعالى، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحكمة أوليائه، وتتوصل باستفادة العلم بها إلى الملك المقيم والنعيم الدائم في جوار رب العالمين. فإذا أصغيت بها إلى شيء من المكاره صار ما كان لك عليك، وانقلب ما كان سبب فوزك سبب هلاكك، وهذا غية الخسران. ولا تظن أن الإصم يختص به القائل دون المستمع؛ ففي الخبر: (أن المستمع شريك القائل وهو أحد المغتابين) .
آداب اللسان وأما اللسان: فإنما خلق لتكثر به ذكر الله تعالى وتلاوة كتابه، وترشدن به خلق الله تعالى إلى طريقه، وتظهر به ما في ضميرك من حاجات دينك ودنياك. فإذا استعملته في غير ما خلق له، فقد كفرت نعمة