عَلَيْهِمْ بِعِلْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَلِلتُّهْمَةِ اللَّاحِقَةِ فِي ذَلِكَ لِلْقَاضِي. وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ لِلتُّهْمَةِ تَأْثِيرًا فِي الشَّرْعِ، مِنْهَا أَنْ لَا يَرِثَ الْقَاتِلُ عَمْدًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ مَنْ قَتَلَهُ. وَمِنْهَا رَدُّهُمْ شَهَادَةَ الْأَبِ لِابْنِهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.
وَأَمَّا عُمْدَةُ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ، أَمَّا مِنْ طَرِيقِ السَّمَاعِ فَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ مَعَ زَوْجِهَا أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ حِينَ قَالَ لَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَدْ شَكَتْ أَبَا سُفْيَانَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» دُونَ أَنْ يَسْمَعَ قَوْلَ خَصْمِهَا.
وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِقَوْلِ الشَّاهِدِ الَّذِي هُوَ مَظْنُونٌ فِي حَقِّهِ فَأَحْرَى أَنْ يَحْكُمَ بِمَا هُوَ عِنْدَهُ يَقِينٌ. وَخَصَّصَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ مَا يَحْكُمُ فِيهِ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ فَقَالُوا: لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي الْحُدُودِ وَيَقْضِي فِي غَيْرِ ذَلِكَ. وَخَصَّصَ أَيْضًا أَبُو حَنِيفَةَ الْعِلْمَ الَّذِي يَقْضِي بِهِ فَقَالَ: يَقْضِي بِعِلْمِهِ الَّذِي عَلِمَهُ فِي الْقَضَاءِ، وَلَا يَقْضِي بِمَا عَلِمَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى بِعِلْمِهِ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ: يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي الْمَجْلِسِ، أَعْنِي: بِمَا يَسْمَعُ، وَإِنْ لَمْ يُشْهَدْ عِنْدَهُ بِذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ كَمَا قُلْنَا. وَقَوْلُ الْمُغِيرَةِ هُوَ أَجْرَى عَلَى الْأُصُولِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذِهِ الشَّرِيعَةِ لَا يَقْضِي إِلَّا بِدَلِيلٍ وَإِنْ كَانَتْ غَلَبَةُ الظَّنِّ الْوَاقِعَةُ بِهِ أَقْوَى مِنَ الظَّنِّ الْوَاقِعِ بِصِدْقِ الشَّاهِدِينَ.
وَأَمَّا الْإِقْرَارُ إِذَا كَانَ بَيِّنًا فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْحُكْمِ بِهِ، وَإِنَّمَا النَّظَرُ فِيمَنْ يَجُوزُ إِقْرَارُهُ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ، وَإِذَا كَانَ الْإِقْرَارُ مُحْتَمَلًا رُفِعَ الْخِلَافُ. أَمَّا مَنْ يَجُوزُ إِقْرَارُهُ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ فَقَدْ تَقَدَّمَ. وَأَمَّا عَدَدُ الْإِقْرَارَاتِ الْمُوجِبَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحُدُودِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْإِقْرَارَ مَرَّةً وَاحِدَةً عَامِلٌ فِي الْمَالِ. وَأَمَّا الْمَسَائِلُ الَّتِي اخْتَلَفُوا فِيهَا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ قِبَلِ احْتِمَالِ اللَّفْظِ، وَأَنْتَ إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَقِفَ عَلَيْهِ فَمِنْ كِتَابِ الْفُرُوعِ.
وَأَمَّا عَلَى مَنْ يَقْضِي؟ وَلِمَنْ يَقْضِي؟ فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي لِمَنْ لَيْسَ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي قَضَائِهِ لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ، فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ عَلَى مَنْ لَا تَجُوزُ عَلَيْهِ شَهَادَتُهُ، وَقَالَ قَوْمٌ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشَّهَادَةُ.