يَكْثُرِ الِاسْتِعْمَالُ لَهَا.
وَالَّذِي يَنْدَرِئُ بِهِ الْحَدُّ عَنِ الْقَاذِفِ أَنْ يَثْبُتَ زِنَى الْمَقْذُوفِ بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ بِإِجْمَاعٍ، وَالشُّهُودُ عِنْدَ مَالِكٍ إِذَا كَانُوا أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ قَذَفَةٌ، وَعِنْدَ غَيْرِهِ لَيْسُوا بِقَذَفَةٍ.
وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي الشُّهُودِ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عَلَى شُهُودِ الْأَصْلِ. وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي نَقْلِ شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَدَدُ شُهُودِ الْأَصْلِ؟ أَمْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ الِاثْنَانِ عَلَى الْأَصْلِ الْمُعْتَبَرِ فِيمَا سِوَى الْقَذْفِ إِذَا كَانُوا مِمَّنْ لَا يَسْتَقِلُّ بِهِمْ نَقْلُ الشَّهَادَةِ مِنْ قِبَلِ الْعَدَدِ؟
وَأَمَّا الْحَدُّ فَالنَّظَرُ فِيهِ فِي جِنْسِهِ، وَتَوْقِيتِهِ، وَمَسْقَطِهِ. أَمَّا جِنْسُهُ فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ ثَمَانُونَ جَلْدَةً لِلْقَاذِفِ الْحُرِّ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] . وَاخْتَلَفُوا فِي الْعَبْدِ يَقْذِفُ الْحُرَّ، كَمْ حَدُّهُ؟ فَقَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ: حَدُّهُ نِصْفُ حَدِّ الْحُرِّ، وَذَلِكَ أَرْبَعُونَ جَلْدَةً. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: حَدُّهُ حَدُّ الْحُرِّ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَبُو ثَوْرٍ، وَالْأَوْزَاعِيُّ وَدَاوُدُ وَأَصْحَابُهُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ.
فَعُمْدَةُ الْجُمْهُورِ قِيَاسُ حَدِّهِ فِي الْقَذْفِ عَلَى حَدِّهِ فِي الزِّنَى. وَأَمَّا أَهْلُ الظَّاهِرِ فَتَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ بِالْعُمُومِ، وَلَمَّا أَجْمَعُوا أَيْضًا أَنَّ حَدَّ الْكِتَابِيِّ ثَمَانُونَ، فَكَانَ الْعَبْدُ أَحْرَى بِذَلِكَ.
وَأَمَّا التَّوْقِيتُ فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا قَذَفَ شَخْصًا وَاحِدًا مِرَارًا كَثِيرَةً فَعَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ إِذَا لَمْ يُحَدَّ بِوَاحِدٍ مِنْهَا، وَأَنَّهُ إِنْ قَذَفَ، فَحُدَّ، ثُمَّ قَذَفَهُ ثَانِيَةً حُدَّ حَدًّا ثَانِيًا.
وَاخْتَلَفُوا إِذَا قَذَفَ جَمَاعَةً، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ، جَمَعَهُمْ فِي الْقَذْفِ أَوْ فَرَّقَهُمْ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ. وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ عَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدٌّ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَجَمَاعَةٌ حَتَّى رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ حُيَيٍّ أَنَّهُ قَالَ: إِنْ قَالَ إِنْسَانٌ: مَنْ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ فَهُوَ زَانٍ - جُلِدَ الْحَدَّ لِكُلِّ مَنْ دَخَلَهَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنْ جَمَعَهُمْ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: يَا زُنَاةُ - فَحَدٌّ وَاحِدٌ، وَإِنْ قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: يَا زَانِي - فَعَلَيْهِ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ حَدٌّ.
فَعُمْدَةُ مَنْ لَمْ يُوجِبْ عَلَى قَاذِفِ الْجَمَاعَةِ إِلَّا حَدًّا وَاحِدًا حَدِيثُ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ «أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَلَاعَنَ بَيْنَهُمَا» وَلَمْ يَحُدَّهُ لِشَرِيكٍ. وَذَلِكَ إِجْمَاعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِرَجُلٍ.
وَعُمْدَةُ مَنْ رَأَى أَنَّ الْحَدَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّينَ، وَأَنَّهُ لَوْ عَفَا بَعْضُهُمْ، وَلَمْ يَعْفُ الْكُلُّ - لَمْ يَسْقُطِ الْحَدُّ. وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ قَذْفِهِمْ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ، أَوْ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي مَجَالِسَ -