وَيُشْبِهُ مِنْ جِهَةٍ الْمُضْطَرَّ الْمَغْلُوبَ، مِثْلَ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ عُلُوٍّ، وَالَّذِي تَحْمِلُهُ الرِّيحُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ.
وَمَنْ رَأَى قَتْلَهُمْ جَمِيعًا لَمْ يَعْذُرِ الْمَأْمُورَ بِالْإِكْرَاهِ وَلَا الْآمِرَ بِعَدَمِ الْمُبَاشَرَةِ.
وَمَنْ رَأَى قَتْلَ الْآمِرِ فَقَطْ شَبَّهَ الْمَأْمُورَ بِالْآلَةِ الَّتِي لَا تَنْطِقُ.
وَمَنْ رَأَى الْحَدَّ عَلَى غَيْرِ الْمُبَاشِرِ اعْتَمَدَ أَنَّهُ لَيْسَ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ قَاتِلٍ إِلَّا بِالِاسْتِعَارَةِ.
وَقَدِ اعْتَمَدَتِ الْمَالِكِيَّةُ فِي قَتْلِ الْمُكْرَهِ عَلَى الْقَتْلِ بِالْقَتْلِ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ مِنْ مَخْمَصَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ إِنْسَانًا فَيَأْكُلَهُ.
وَأَمَّا الْمُشَارِكُ لِلْقَاتِلِ عَمْدًا فِي الْقَتْلِ، فَقَدْ يَكُونُ الْقَتْلُ عَمْدًا وَخَطَأً، وَقَدْ يَكُونُ الْقَاتِلُ مُكَلَّفًا وَغَيْرَ مُكَلَّفٍ، وَسَنَذْكُرُ الْعَمْدَ عِنْدَ قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ.
وَأَمَّا إِذَا اشْتَرَكَ فِي الْقَتْلِ عَامِدٌ وَمُخْطِئٌ أَوْ مُكَلَّفٌ وَغَيْرُ مُكَلَّفٍ، مِثْلَ عَامِدٍ وَصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ، أَوْ حُرٍّ وَعَبْدٍ فِي قَتْلِ عَبْدٍ عِنْدَ مَنْ لَا يُقِيدُ مِنَ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ:
فَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: عَلَى الْعَامِدِ الْقِصَاصُ، وَعَلَى الْمُخْطِئِ وَالصَّبِيِّ نِصْفُ الدِّيَةِ، إِلَّا أَنَّ مَالِكًا يَجْعَلُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالشَّافِعِيَّ فِي مَالِهِ عَلَى مَا يَأْتِي، وَكَذَلِكَ قَالَا فِي الْحُرِّ وَالْعَبْدِ يَقْتُلَانِ الْعَبْدَ عَمْدًا أَنَّ الْعَبْدَ يُقْتَلُ، وَعَلَى الْحُرِّ نِصْفُ الْقِيمَةِ، وَكَذَلِكَ الْحَالُ فِي الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ يُقْتَلَانِ جَمِيعًا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا اشْتَرَكَ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ مَعَ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَعَلَيْهِمَا الدِّيَةُ.
وَعُمْدَةُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ هَذِهِ شُبْهَةٌ، فَإِنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَبَعَّضُ وَمُمْكِنٌ أَنْ تَكُونَ إِفَاتَةُ نَفْسِهِ مِنْ فِعْلِ الَّذِي لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ كَإِمْكَانِ ذَلِكَ مِمَّنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» ، وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الدَّمُ وَجَبَ بَدَلُهُ، وَهُوَ الدِّيَةُ.
وَعُمْدَةُ الْفَرِيقِ الثَّانِي النَّظَرُ إِلَى الْمَصْلَحَةِ الَّتِي تَقْتَضِي التَّغْلِيظَ لِحَوْطَةِ الدِّمَاءِ، فَكَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا انْفَرَدَ بِالْقَتْلِ فَلَهُ حُكْمُ نَفْسِهِ، وَفِيهِ ضَعْفٌ فِي الْقِيَاسِ.
وَأَمَّا صِفَةُ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ الْعَمْدُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ صِنْفَانِ: عَمْدٌ، وَخَطَأٌ. وَاخْتَلَفُوا فِي هَلْ بَيْنَهُمَا وَسَطٌ أَمْ لَا؟ وَهُوَ الَّذِي يُسَمُّونَهُ شِبْهَ الْعَمْدِ، فَقَالَ بِهِ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ. وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ نَفْيُهُ إِلَّا فِي الِابْنِ مَعَ أَبِيهِ. وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ يَتَخَرَّجُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، وَبِإِثْبَاتِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلِيٌّ، وَعُثْمَانُ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَالْمُغِيرَةُ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ.
وَالَّذِينَ قَالُوا بِهِ فَرَّقُوا فِيمَا هُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ مِمَّا لَيْسَ