وَعُمْدَةُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يُعْتَقُوا فِي الْعِتْقِ الْمُنَجَّزِ فَأَحْرَى أَنْ لَا يُعْتَقُوا فِي الْعِتْقِ الْمُؤَجَّلِ بِالشَّرْطِ. وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمُوصَى لَهَا بِالْعِتْقِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ بَنُوهَا.
وَالْجُمْهُورُ رَأَوْا أَنَّ لِلتَّدْبِيرَ حُرْمَةٌ مَا، فَأَوْجَبُوا اتِّبَاعَ الْوَلَدِ تَشْبِيهًا بِالْكِتَابَةِ، وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ مَرْوِيٌّ عَنْ عُثْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَمَكْحُولٍ.
وَتَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي هَذَا أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ فَوَلَدُهَا تَبَعٌ لَهَا، إِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَحُرٌّ، وَإِنْ كَانَتْ مُكَاتَبَةً فَمُكَاتَبٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُدَبَّرَةً فَمُدَبَّرٌ، أَوْ مُعْتَقَةً إِلَى أَجَلٍ فَمُعْتَقٌ إِلَى أَجَلٍ، وَكَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ وَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَهْلُ الظَّاهِرِ، وَكَذَلِكَ الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ عِنْدَ مَالِكٍ.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَلَدٍ مِنْ تَزْوِيجٍ فَهُوَ تَابِعٌ لِأُمِّهِ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْعُقُودِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الْحُرِّيَّةِ إِلَّا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ التَّدْبِيرِ وَمِنْ أَمَةٍ زَوْجُهَا عَرَبِيٌّ.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ كُلَّ وَلَدٍ مِنْ مِلْكِ يَمِينٍ أَنَّهُ تَابِعٌ لِأَبِيهِ، إِنْ حُرًّا فَحُرٌّ، وَإِنْ عَبْدًا فَعَبْدٌ، وَإِنْ مُكَاتَبًا فَمُكَاتَبٌ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُدَبَّرِ إِذَا تَسَرَّى فَوُلِدَ لَهُ، فَقَالَ مَالِكٌ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَبِ (يَعْنِي: أَنَّهُ مُدَبَّرُ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ يَتْبَعُهُ وَلَدُهُ فِي التَّدْبِيرِ.
وَعُمْدَةُ مَالِكٍ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ تَابِعٌ لِلْأَبِ مَا عَدَا الْمُدَبَّرَ، وَهُوَ مِنْ بَابِ قِيَاسِ مَوْضِعِ الْخِلَافِ عَلَى مَوْضِعِ الْإِجْمَاعِ.
وَعُمْدَةُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ وَلَدَ الْمُدَبَّرِ مَالٌ مِنْ مَالِهِ، وَمَالَ الْمُدَبَّرِ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُهُ مِنْهُ وَلَيْسَ يُسَلَّمُ لَهُ أَنَّهُ مَالٌ مِنْ مَالِهِ، وَيَتْبَعُهُ فِي الْحُرِّيَّةِ مَالُهُ عِنْدَ مَالِكٍ.
الْجِنْسُ الرَّابِعُ وَأَمَّا النَّظَرُ فِي تَبْعِيضِ التَّدْبِيرِ فَقَدْ قُلْنَا فِيمَنْ دَبَّرَ لَهُ حَظًّا فِي عَبْدِهِ دُونَ أَنْ يُدَبِّرَ شَرِيكُهُ، وَنَقْلُهُ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ أَوْلَى، فَلْيُنْقَلْ إِلَيْهِ.
وَأَمَّا مَنْ دَبَّرَ جُزْءًا مِنْ عَبْدٍ هُوَ لَهُ كُلُّهُ، فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِتَدْبِيرِ الْكُلِّ، قِيَاسًا عَلَى مَنْ بَعَّضَ الْعِتْقَ عِنْدَ مَالِكٍ.
وَأَمَّا الْجِنْسُ الْخَامِسُ
وَهُوَ مُبْطِلَاتُ التَّدْبِيرِ
فَمِنْ هَذَا الْبَابِ اخْتِلَافُهُمْ فِي إِبْطَالِ الدَّيْنِ لِلتَّدْبِيرِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: الدَّيْنُ يُبْطِلُهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ يُبْطِلُهُ وَيَسْعَى فِي الدَّيْنِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لِلْقِيمَةِ أَوْ لِبَعْضِهَا.