وَعَنِ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ الْقَوْلَانِ جَمِيعًا.

وَالَّذِينَ أَجَازُوا ذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي وَلَاءِ الْمُعْتَقِ لِمَنْ يَكُونُ، فَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ كَانَ وَلَاءُ عَبْدِهِ لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ مَاتَ وَقَدْ عُتِقَ الْمُكَاتَبُ كَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ. وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ هَؤُلَاءِ: بَلْ وَلَاؤُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِسَيِّدِهِ.

وَعُمْدَةُ مَنْ لَمْ يُجِزْ عِتْقَ الْمُكَاتَبِ أَنَّ الْوَلَاءَ يَكُونُ لِلْمُعْتِقِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَلَا وَلَاءَ لِلْمُكَاتَبِ فِي حِينِ كِتَابَتِهِ فَلَمْ يَصِحَّ عِتْقُهُ.

وَعُمْدَةُ مَنْ رَأَى أَنَّ الْوَلَاءَ لِلسَّيِّدِ أَنَّ عَبْدَ عَبْدِهِ بِمَنْزِلَةِ عَبْدِهِ، وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ ذَلِكَ فَهُوَ اسْتِحْسَانٌ.

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ اخْتِلَافُهُمْ فِي هَلْ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَنْكِحَ أَوْ يُسَافِرَ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ؟ فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَأَبَاحَ بَعْضُهُمُ النِّكَاحَ لَهُ. وَأَمَّا السَّفَرُ فَأَبَاحَهُ لَهُ جُمْهُورُهُمْ وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَبَاحَهُ سَحْنُونٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَلَمْ يُجِزْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَشْتَرِطَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ، وَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي السَّفَرِ الْقَرِيبِ.

وَالْعِلَّةُ فِي مَنْعِ النِّكَاحِ أَنَّهُ يَخَافُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إِلَى عَجْزِهِ.

وَالْعِلَّةُ فِي جَوَازِ السَّفَرِ أَنْ بِهِ يَقْوَى عَلَى التَّكَسُّبِ فِي أَدَاءِ كِتَابَتِهِ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَلِلْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُسَافِرَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَبِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُسَافِرَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ بِمُطْلَقِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ أَنْ لَا يُسَافِرَ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَالثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُمَا.

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ اخْتِلَافُهُمْ فِي هَلْ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدًا لَهُ؟ فَأَجَازَ ذَلِكَ مَالِكٌ مَا لَمْ يُرَدْ بِهِ الْمُحَابَاةُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا إِثْبَاتُ الْكِتَابَةِ، وَالْآخَرُ إِبْطَالُهَا.

وَعُمْدَةُ الْجَمَاعَةِ أَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ الْمَقْصُودُ مِنْهُ طَلَبُ الرِّبْحِ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْعُقُودِ الْمُبَاحَةِ مِنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. وَعُمْدَةُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَلَا وَلَاءَ لِلْمُكَاتَبِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بَحُرٍّ.

وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ وَلَا الِانْتِفَاعُ مِنْهُ بِشَيْءٍ.

وَاخْتَلَفُوا فِي وَطْءِ السَّيِّدِ أَمَتَهُ الْمُكَاتَبَةَ، فَصَارَ الْجُمْهُورُ إِلَى مَنْعِ ذَلِكَ، وَقَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ مِنَ التَّابِعِينَ: ذَلِكَ جَائِزٌ إِذَا اشْتَرَطَهُ عَلَيْهَا.

وَعُمْدَةُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ وَطْءٌ تَقَعُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015