وَأَمَّا الْأَجَلُ فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُؤَجَّلَةً، وَاخْتَلَفُوا فِي هَلْ تَجُوزُ حَالَّةً، وَذَلِكَ أَيْضًا بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهَا تَجُوزُ حَالَّةً عَلَى مَالٍ مَوْجُودٍ عِنْدَ الْعَبْدِ، وَهِيَ الَّتِي يُسَمُّونَهَا قِطَاعَةً لَا كِتَابَةً.
وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَهِيَ الَّتِي يَشْتَرِي الْعَبْدُ فِيهَا مَالَهُ وَنَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ بِمَالٍ يَكْتَسِبُهُ.
فَمَوْضِعُ الْخِلَافِ إِنَّمَا هُوَ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ بِمَالٍ حَالٍّ لَيْسَ هُوَ بِيَدِهِ؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا الْكَلَامُ لَغْوٌ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ السَّيِّدَ شَيْءٌ مِنْهُ، وَقَالَ مُتَأَخِّرُوا أَصْحَابِ مَالِكٍ: قَدْ لَزِمَتِ الْكِتَابَةُ لِلسَّيِّدِ وَيَرْفَعُهُ الْعَبْدُ إِلَى الْحَاكِمِ فَيُنَجِّمُ عَلَيْهِ الْمَالَ بِحَسَبِ حَالِ الْعَبْدِ.
وَعُمْدَةُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ السَّيِّدَ قَدْ أَوْجَبَ لِعَبْدِهِ الْكِتَابَةَ، إِلَّا أَنَّهُ اشْتَرَطَ فِيهَا شَرْطًا يَتَعَذَّرُ غَالِبًا، فَصَحَّ الْعَقْدُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ.
وَعُمْدَةُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ يَعُودُ بِبُطْلَانِ أَصْلِ الْعَقْدِ كَمَنْ بَاعَ جَارِيَتَهُ وَاشْتَرَطَ أَنْ لَا يَطَأَهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ أَدَّى إِلَى عَجْزِهِ، وَذَلِكَ ضِدُّ مَقْصُودِ الْكِتَابَةِ.
وَحَاصِلُ قَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ يَرْجِعُ إِلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ مِنْ أَرْكَانِهَا أَنْ تَكُونَ مُنَجَّمَةً، وَأَنَّهُ إِذَا اشْتَرَطَ فِيهَا ضِدَّ هَذَا الرُّكْنِ بَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّ الْعَقْدُ.
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: لَقَدْ كَاتَبْتُكَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِذَا أَدَّيْتَهَا فَأَنْتَ حُرٌّ أَنَّهُ إِذَا أَدَّاهَا فَهُوَ حُرٌّ. وَاخْتَلَفُوا إِذَا قَالَ لَهُ: قَدْ كَاتَبْتُكَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَسَكَتَ هَلْ يَكُونُ حُرًّا دُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: فَإِذَا أَدَّيْتَهَا فَأَنْتَ حُرٌّ؟ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ حُرٌّ ; لِأَنَّ اسْمَ الْكِتَابَةِ لَفْظٌ شَرْعِيٌّ، فَهُوَ يَتَضَمَّنُ جَمِيعَ أَحْكَامِهِ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَكُونُ حُرًّا حَتَّى يُصَرِّحَ بِلَفْظِ الْأَدَاءِ. وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ اخْتِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ فِيمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْكَ أَلْفُ دِينَارٍ، فَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ مَالِكٌ: يَلْزَمُهُ وَهُوَ حُرٌّ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: هُوَ حُرٌّ وَلَا يَلْزَمُهُ.
وَأَمَّا إِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنَّ عَلَيْكَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ حُرٌّ وَالْمَالُ عَلَيْهِ كَغَرِيمٍ مِنَ الْغُرَمَاءِ، وَقِيلَ: الْعَبْدُ بِالْخِيَارِ ; فَإِنِ اخْتَارَ الْحُرِّيَّةَ لَزِمَهُ الْمَالُ وَنَفَذَتِ الْحُرِّيَّةُ وَإِلَّا بَقِيَ عَبْدًا، وَقِيلَ: إِنْ قَبِلَ كَانَتْ كِتَابَةً يُعْتَقُ إِذَا أَدَّى، وَالْقَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ.
وَتَجُوزُ الْكِتَابَةُ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى عَمَلٍ مَحْدُودٍ، وَتَجُوزُ عِنْدَهُ الْكِتَابَةُ الْمُطْلَقَةُ، وَيُرَدُّ إِلَى أَنَّ كِتَابَةَ مِثْلِهِ كَالْحَالِ فِي النِّكَاحِ.
وَتَجُوزُ الْكِتَابَةُ عِنْدَهُ عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ (أَعْنِي: كِتَابَةَ مِثْلِهِ فِي الزَّمَانِ وَالثَّمَنِ) ، وَمِنْ هُنَا قِيلَ إِنَّهُ تَجُوزُ عِنْدَهُ الْكِتَابَةُ الْحَالَّةُ.
وَاخْتُلِفَ هَلْ مِنْ شَرْطِ هَذَا الْعَقْدِ أَنْ يَضَعَ السَّيِّدُ مِنْ آخِرِ أَنْجُمِ الْكِتَابَةِ شَيْئًا عَنِ الْمُكَاتِبِ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي مَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] ؟ وَذَلِكَ أَنَّ