«وَإِلَّا فَقَدَ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» ، فَهَلْ هُوَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، أَمْ مِنْ قَوْلِ نَافِعٍ، وَإِنَّ فِي أَلْفَاظِهِ أَيْضًا بَيْنَ رُوَاتِهِ اضْطِرَابًا.
وَمِمَّا وَهَّنَ بِهِ الْمَالِكِيُّونَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ قَتَادَةَ فِيهِ عَلَى قَتَادَةَ فِي ذِكْرِ السِّعَايَةِ.
وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى فَاعْتَمَدَتِ الْمَالِكِيَّةُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا لَزِمَ السَّيِّدَ التَّقْوِيمُ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لِلضَّرَرِ الَّذِي أَدْخَلَهُ عَلَى شَرِيكِهِ وَالْعَبْدُ لَمْ يُدْخِلْ ضَرَرًا فَلَيْسَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ.
وَعُمْدَةُ الْكُوفِيِّينَ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى أَنَّ الْحُرِّيَّةَ حَقٌّ شَرْعِيٌّ لَا يَجُوزُ تَبْعِيضُهُ، فَإِذَا كَانَ الشَّرِيكُ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا عَتَقَ الْكُلَّ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ وَفِيهِ مَعَ هَذَا رَفْعُ الضَّرَرِ الدَّاخِلِ عَلَى الشَّرِيكِ وَلَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْعَبْدِ، وَرُبَّمَا أَتَوْا بِقِيَاسٍ شَبَهِيٍّ، وَقَالُوا: لَمَّا كَانَ الْعِتْقُ يُوجَدُ مِنْهُ فِي الشَّرْعِ نَوْعَانِ: نَوْعٌ يَقَعُ بِالِاخْتِيَارِ، وَهُوَ إِعْتَاقُ السَّيِّدِ عَبْدَهُ ابْتِغَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ.
وَنَوْعٌ يَقَعُ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ، وَهُوَ أَنْ يَعْتِقَ عَلَى السَّيِّدِ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ بِالشَّرِيعَةِ مِلْكُهُ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْعِتْقُ بِالسَّعْيِ كَذَلِكَ. فَالَّذِي بِالِاخْتِيَارِ مِنْهُ هُوَ الْكِتَابَةُ. وَالَّذِي هُوَ دَاخِلٌ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ هُوَ السَّعْيُ.
وَاخْتَلَفَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ إِذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا هَلْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ نَصِيبَ شَرِيكِهِ بِالْحُكْمِ أَوْ بِالسِّرَايَةِ؟ أَعْنِي: أَنَّهُ يَسْرِي وُجُوبُ عِتْقِهِ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الْعِتْقِ، فَقَالَتِ الشَّافِعِيَّةُ: يَعْتِقُ بِالسَّرَايَةِ، وَقَالَتِ الْمَالِكِيَّةُ: بِالْحُكْمِ.
وَاحْتَجَّتِ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا بِالسَّرَايَةِ لَسَرَى مَعَ الْعَدَمِ وَالْيُسْرِ. وَاحْتَجَّتِ الشَّافِعِيَّةُ بِاللَّازِمِ عَنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ» ، فَقَالُوا: مَا يَجِبُ تَقْوِيمُهُ فَإِنَّمَا يَجِبُ بَعْدَ إِتْلَافِهِ فَإِذَنْ بِنَفْسِ الْعِتْقِ أَتْلَفَ حَظَّ صَاحِبِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ تَقْوِيمُهُ فِي وَقْتِ الْإِتْلَافِ، وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ حَاكِمٌ، وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يُعْتِقَ نَصِيبَهُ ; لِأَنَّهُ قَدْ نَفَذَ الْعِتْقُ وَهَذَا بَيِّنٌ.
وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْحَدِيثَيْنِ، وَقَدْ رُوِيَ فِيهَا خِلَافٌ شَاذٌّ، فَقِيلَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: إِنَّهُ جَعَلَ حِصَّةَ الشَّرِيكِ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَقِيلَ عَنْ رَبِيعَةَ فِيمَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِي عَبْدٍ: أَنَّ الْعِتْقَ بَاطِلٌ.
وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يُقَوَّمُ عَلَى الْمُعْسِرِ الْكُلُّ، وَيَنْفُذُ الْعِتْقُ فِيمَا أَعْتَقَ. وَقَالَ قَوْمٌ بِوُجُوبِ التَّقْوِيمِ عَلَى الْمُعْتِقِ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا وَيَتْبَعُهُ شَرِيكُهُ، وَسَقَطَ الْعُسْرُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَهَذَا كُلُّهُ خِلَافُ الْأَحَادِيثِ، وَلَعَلَّهُمْ لَمْ تَبْلُغْهُمُ الْأَحَادِيثُ.
وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ مِنْ هَذَا فِي فَرْعٍ وَهُوَ إِذَا كَانَ مُعْسِرًا فَأُخِّرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِإِسْقَاطِ التَّقْوِيمِ حَتَّى أَيْسَرَ، فَقِيلَ: يُقَوَّمُ، وَقِيلَ: لَا يُقَوَّمُ.
وَاتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِهَذِهِ الْآثَارِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَلَكَ بِاخْتِيَارِهِ شِقْصًا يُعْتَقُ عَلَيْهِ مِنْ عَبْدٍ: أَنَّهُ يُعْتَقُ