; وَاتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ أَوْلَادَ الزِّنَا لَا يُلْحَقُونَ بِآبَائِهِمْ إِلَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَشَذَّ قَوْمٌ فَقَالُوا: يَلْتَحِقُ وَلَدُ الزِّنَا فِي الْإِسْلَامِ (أَعْنِي: الَّذِي كَانَ عَنْ زِنًا فِي الْإِسْلَامِ) .
; وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ لَا يُلْحَقُ بِالْفِرَاشِ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، إِمَّا مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ، وَإِمَّا مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ، وَأَنَّهُ يُلْحَقُ مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ إِلَى أَقْصَرِ زَمَانِ الْحَمْلِ، أَوْ إِنْ كَانَ قَدْ فَارَقَهَا وَاعْتَزَلَهَا.
; وَاخْتَلَفُوا فِي أَطْوَلِ زَمَانِ الْحَمْلِ الَّذِي يُلْحِقُ بِهِ الْوَالِدُ الْوَلَدَ، فَقَالَ مَالِكٌ: خَمْسُ سِنِينَ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: سَبْعٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَرْبَعُ سِنِينَ، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: سَنَتَانِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ: سَنَةٌ، وَقَالَ دَاوُدُ: سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَرْجُوعٌ فِيهَا إِلَى الْعَادَةِ وَالتَّجْرِبَةِ. وَيَقُولُ ابْنِ عَبْدِ الحَكَمِ وَالظَّاهِرِيَّةِ هُوَ أَقْرَبُ إِلَى الْمُعْتَادِ، وَالْحُكْمُ إِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِالْمُعْتَادِ لَا بِالنَّادِرِ، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِيلًا.
وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَوْ دَخَلَ بِهَا بَعْدَ الْوَقْتِ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ لَا مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ أَنَّهُ لَا يُلْحَقُ بِهِ إِلَّا إِذَا أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هِيَ فِرَاشٌ لَهُ وَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ.
وَعُمْدَةُ مَالِكٍ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِفِرَاشٍ إِلَّا بِإِمْكَانِ الْوَطْءِ وَهُوَ مَعَ الدُّخُولِ.
وَعُمْدَةُ أَبِي حَنِيفَةَ عُمُومُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» وَكَأَنَّهُ يَرَى أَنَّ هَذَا تَعَبُّدٌ بِمَنْزِلَةِ تَغْلِيبِ الْوَطْءِ الْحَلَالِ عَلَى الْوَطْءِ الْحَرَامِ فِي إِلْحَاقِ الْوَلَدِ بِالْوَطْءِ الْحَلَالِ.
; وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي إِثْبَاتِ النِّسَبِ بِالْقَافَةِ، وَذَلِكَ عِنْدَمَا يَطَأُ رَجُلَانِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ بِمِلْكِ يَمِينٍ أَوْ بِنِكَاحٍ، وَيُتَصَوَّرُ أَيْضًا الْحُكْمُ بِالْقَافَةِ فِي اللَّقِيطِ الَّذِي يَدَّعِيهِ رَجُلَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ.
وَالْقَافَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ: هُمْ قَوْمٌ كَانَتْ عِنْدَهُمْ مَعْرِفَةٌ بِفُصُولِ تَشَابُهِ أَشْخَاصِ النَّاسِ، فَقَالَ بِالْقَافَةِ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ.
وَأَبَى الحُكْمَ بِالْقَافَةِ، الْكُوفِيُّونَ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَالْحُكْمُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ إِذَا ادَّعَى رَجُلَانِ وَلَدًا كَانَ الْوَلَدُ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا فِرَاشٌ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لَقِيطًا، أَوْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِرَاشًا مِثْلَ الْأَمَةِ أَوِ الْحُرَّةِ يَطَؤُهَا رَجُلَانِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنَ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ لِلِابْنِ الْوَاحِدِ أَبَوَانِ فَقَطْ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ابْنًا لِثَلَاثَةٍ إِنِ ادَّعَوْهُ، وَهَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ وَإِبْطَالٌ لِلْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ.
وَعُمْدَةُ اسْتِدْلَالِ مَنْ قَالَ بِالْقَافَةِ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَلِيطُ أَوْلَادَ الْجَاهِلِيَّةِ بِمَنِ اسْتَلَاطَهُمْ (أَيْ: بِمَنِ ادَّعَاهُمْ فِي الْإِسْلَامِ) ، فَأَتَى رَجُلَانِ كِلَاهُمَا يَدَّعِي وَلَدَ امْرَأَةٍ، فَدَعَا قَائِفًا فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ الْقَائِفُ: لَقَدِ اشْتَرَكَا فِيهِ، فَضَرَبَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ، ثُمَّ دَعَا الْمَرْأَةَ،