الْحَاجِبُونَ هُمَا اثْنَانِ أَعْنِي فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11] ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى يَدْخُلَانِ تَحْتَ اسْمِ الْإِخْوَةِ فِي الْآيَةِ وَذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا أَنْقُلُ الْأُمَّ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ بِالْأَخَوَاتِ الْمُنْفَرِدَاتِ ; لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِنَّ اسْمُ الْإِخْوَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ أَخٌ لِمَوْضِعِ تَغْلِيبِ الْمُذَكَّرِ عَلَى الْمُؤَنَّثِ، إِذِ اسْمُ الْإِخْوَةِ هُوَ جَمْعُ أَخٍ، وَالْأَخُ مُذَكَّرٌ.
وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ فِيمَنْ يَرِثُ السُّدُسَ الَّذِي تُحْجَبُ عَنْهُ الْأُمُّ بِالْإِخْوَةِ، وَذَلِكَ إِذَا تَرَكَ الْمُتَوَفَّى أَبَوَيْنِ وَإِخْوَةً، فَقَالَ الْجُمْهُورُ: ذَلِكَ السُّدُسُ لِلْأَبِ مَعَ الْأَرْبَعَةِ الْأَسْدَاسِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ذَلِكَ السُّدُسَ لِلْإِخْوَةِ الَّذِينَ حَجَبُوا، وَلِلْأَبِ الثُّلُثَانِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأُصُولِ مَنْ يَحْجُبُ وَلَا يَأْخُذُ مَا حُجِبَ إِلَّا الْإِخْوَةُ مَعَ الْآبَاءِ، وَضَعَّفَ قَوْمٌ الْإِسْنَادَ بِذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ الْقِيَاسُ.
وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي الَّتِي تُعْرَفُ بِالْغَرَّاوَيْنِ، (وَهِيَ فِيمَنْ تَرَكَ زَوْجَةً وَأَبَوَيْنِ، أَوْ زَوْجًا وَأَبَوَيْنِ) ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ: فِي الْأُولَى لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ، وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ، وَهُوَ الرُّبُعُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَلِلْأَبِ مَا بَقِيَ وَهُوَ النِّصْفُ، وَقَالُوا فِي الثَّانِيَةِ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ وَهُوَ السُّدُسُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَلِلْأَبِ مَا بَقِيَ وَهُوَ السُّدُسَانِ، وَهُوَ قَوْلُ زِيدٍ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْأُولَى: لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ مِنْهُ أَيْضًا ; لِأَنَّهَا ذَاتُ فَرْضٍ، وَلِلْأَبِ مَا بَقِيَ لِأَنَّهُ عَاصِبٌ، وَقَالَ أَيْضًا فِي الثَّانِيَةِ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ ; لِأَنَّهَا ذَاتُ فَرْضٍ مُسَمًّى، وَلِلْأَبِ مَا بَقِيَ، وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي وَدَاوُدُ، وَابْنُ سِيرِينَ وَجَمَاعَةٌ.
وَعُمْدَةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْأَبَ وَالْأُمَّ لَمَّا كَانَا إِذَا انْفَرَدَا بِالْمَالِ كَانَ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْأَبِ الْبَاقِي، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحَالُ كَذَلِكَ فِيمَا بَقِيَ مِنَ الْمَالِ، كَأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنْ يَكُونَ مِيرَاثُ الْأُمِّ أَكْثَرَ مِنْ مِيرَاثِ الْأَبِ خُرُوجًا عَنِ الْأُصُولِ.
وَعُمْدَةُ الْفَرِيقِ الْآخَرِ أَنَّ الْأُمَّ ذَاتُ فَرْضٍ مُسَمًّى وَالْأَبَ عَاصِبٌ، وَالْعَاصِبُ لَيْسَ لَهُ فَرْضٌ مَحْدُودٌ مَعَ ذِي الْفُرُوضِ، بَلْ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ.
وَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ طَرِيقِ التَّعْلِيلِ أَظْهَرُ، وَمَا عَلَيْهِ الْفَرِيقُ الثَّانِي مَعَ عَدَمِ التَّعْلِيلِ أَظْهَرُ، وَأَعْنِي بِالتَّعْلِيلِ هَاهُنَا أَنْ يَكُونَ أَحَقُّ سَبَبَيِ الْإِنْسَانِ أَوْلَى بِالْإِيثَارِ (أَعْنِي: الْأَبَ مِنَ الْأُمِّ) .
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ إِذَا انْفَرَدَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ أَنَّ لَهُ السُّدُسَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَأَنَّهُمْ إِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ عَلَى السَّوِيَّةِ، لِلذَّكَرِ مِنْهُمْ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَى سَوَاءً.