[كِتَابُ الْوَصَايَا] [الْقِسْمُ الْأَوَّلُ الْقَوْلُ فِي أَرْكَانِ الوصايا]
وَالنَّظَرُ فِيهَا يَنْقَسِمُ أَوَّلًا قِسْمَيْنِ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: النَّظَرُ فِي الْأَرْكَانِ.
وَالثَّانِي: فِي الْأَحْكَامِ.
وَنَحْنُ فَإِنَّمَا نَتَكَلَّمُ مِنْ هَذِهِ فِيمَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْمَسَائِلِ الْمَشْهُورَةِ.
الْقَوْلُ فِي الْأَرْكَانِ وَالْأَرْكَانُ أَرْبَعَةٌ: الْمُوصِي، وَالْمُوصَى لَهُ، وَالْمُوصَى بِهِ، وَالْوَصِيَّةُ.
أَمَّا الْمُوصِي فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ كُلُّ مَالِكٍ صَحِيحِ الْمِلْكِ، وَيَصِحُّ عِنْدَ مَالِكٍ وَصِيَّةُ السَّفِيهِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ الْقُرَبَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجُوزُ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ، وَعَنِ الشَّافِعِيِّ الْقَوْلَانِ وَكَذَلِكَ وَصِيَّةُ الْكَافِرِ تَصِحُّ عِنْدَهُمْ إِذَا لَمْ يُوصِ بِمُحَرَّمٍ.
وَأَمَّا الْمُوصَى لَهُ فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَجُوزُ لِوَارِثٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» وَاخْتَلَفُوا هَلْ تَجُوزُ لِغَيْرِ الْقَرَابَةِ؟ فَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهَا تَجُوزُ لِغَيْرِ الْأَقْرَبِينَ مَعَ الْكَرَاهِيَةِ، وَقَالَ الْحَسَنُ، وَطَاوُسٌ: تُرَدُّ الْوَصِيَّةُ عَلَى الْقَرَابَةِ، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ.
وَحَجَّةُ هَؤُلَاءِ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى: {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ تَقْتَضِي الْحَصْرَ.
وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الْمَشْهُورِ وَهُوَ «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ لَهُ فِي مَرَضِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، لَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُمْ، فَأَقْرَعُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمْ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً» وَالْعَبِيدُ غَيْرُ الْقَرَابَةِ.
وَأَجْمَعُوا - كَمَا قُلْنَا - أَنَّهَا لَا تَجُوزُ لِوَارِثٍ إِذَا لَمْ يُجِزْهَا الْوَرَثَةُ. وَاخْتَلَفُوا - كَمَا قُلْنَا - إِذَا أَجَازَتْهَا الْوَرَثَةُ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ: تَجُوزُ، وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَالْمُزَنِيُّ: لَا تَجُوزُ.
وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلِ الْمَنْعُ لِعِلَّةِ الْوَرَثَةِ أَوْ عِبَادَةٍ؟ فَمَنْ قَالَ عِبَادَةٌ قَالَ: لَا تَجُوزُ وَإِنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ، وَمَنْ قَالَ بِالْبيعِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ أَجَازَهَا إذا أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ.
وَتَرَدُّدُ هَذَا الْخِلَافِ رَاجِعٌ إِلَى تَرَدُّدِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» هَلْ هُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى أَمْ لَيْسَ بِمَعْقُولٍ؟