قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ زَعَمَ أَنَّ إِجَازَتَهُ لِيَتَعَجَّلَ حَقَّهُ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ لَهُ. وَقَالَ قَوْمٌ: يَجُوزُ بَيْعُهُ.
وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ غُلَامًا، أَوْ أَمَةً فَأَعْتَقَهَا الرَّاهِنُ؛ فَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا جَازَ عِتْقُهُ وَعَجَّلَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقَّهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا بِيعَتْ وَقُضِيَ الْحَقُّ مِنْ ثَمَنِهَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الرَّدُّ، وَالْإِجَازَةُ، وَالثَّالِثُ: مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ.
وَأَمَّا اخْتِلَافُ الرَّاهِنِ، وَالْمُرْتَهِنِ فِي قَدْرِ الْحَقِّ الَّذِي وَجَبَ بِهِ الرَّهْنُ: فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ مَالِكٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ قَدْرِ الْحَقِّ مَا لَمْ تَكُنْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، فَمَا زَادَ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةِ، وَالثَّوْرِيُّ، وَجُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ: الْقَوْلُ فِي قَدْرِ الْحَقِّ قَوْلُ الرَّاهِنِ.
وَعُمْدَةُ الْجُمْهُورِ: أَنَّ الرَّاهِنَ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَالْمُرْتَهِنَ مُدَّعٍ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ عَلَى الرَّاهِنِ عَلَى ظَاهِرِ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ.
وَعُمْدَةُ مَالِكٍ هَاهُنَا: أَنَّ الْمُرْتَهِنَ وَإِنْ كَانَ مُدَّعِيًا فَلَهُ هَاهُنَا شُبْهَةٌ بِنَقْلِ الْيَمِينِ إِلَى حَيِّزِهِ، وَهُوَ كَوْنُ الرَّهْنِ شَاهِدًا لَهُ، وَمِنْ أُصُولِهِ أَنْ يَحْلِفَ أَقْوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ شُبْهَةً، وَهَذَا لَا يَلْزَمُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ; لِأَنَّهُ قَدْ يَرْهَنُ الرَّاهِنُ الشَّيْءَ وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنَ الْمَرْهُونِ فِيهِ.
وَأَمَّا إِذَا تَلِفَ الرَّهْنُ، وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَتِهِ: فَالْقَوْلُ هَاهُنَا عِنْدَ مَالِكٍ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ; لِأَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَهُوَ مُقِرٌّ بِبَعْضِ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ وَهَذَا عَلَى أُصُولِهِ، فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ أَيْضًا هُوَ الضَّامِنُ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا عَلَى أُصُولِ الشَّافِعِيِّ، فَلَا يُتَصَوَّرُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ يَمِينٌ إِلَّا أَنْ يُنَاكِرَهُ الرَّاهِنُ فِي إِتْلَافِهِ. وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ، وَلَيْسَ يَحْتَاجُ إِلَى صِفَةٍ; لِأَنَّ عِنْدَ مَالِكٍ يَحْلِفُ عَلَى الصِّفَةِ، وَتَقْوِيمِ تِلْكَ الصِّفَةِ.
وَإِذَا اخْتَلَفُوا فِي الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا (أَعْنِي: فِي صِفَةِ الرَّهْنِ، وَفِي مِقْدَارِ الرَّهْنِ) كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ فِي صِفَةِ الرَّهْنِ، وَفِي الْحَقِّ مَا كَانَتْ قِيمَتُهُ الصِّفَةَ الَّتِي حَلَفَ عَلَيْهَا شَاهِدَةً لَهُ، وَفِيهِ ضَعْفٌ.
وَهَلْ يَشْهَدُ الْحَقُّ لِقِيمَةِ الرَّهْنِ إِذَا اتَّفَقَا فِي الْحَقِّ، وَاخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ؟ فِي الْمَذْهَبِ فِيهِ قَوْلَانِ، وَالْأَقْيَسُ الشَّهَادَةُ; لِأَنَّهُ إِذَا شَهِدَ الرَّهْنُ لِلدَّيْنِ شَهِدَ الدَّيْنُ لِلْمَرْهُونِ.
وَفُرُوعُ هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ فِي غَرَضِنَا.