الشَّافِعِيِّ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الشَّرِكَةَ مِثْلَ الْقِرَاضِ لَا تَجُوزُ إِلَّا بِالدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ، قَالَ: وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْإِشَاعَةَ فِيهَا تَقُومُ مَقَامَ الْخَلْطِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: ; وَأَمَّا إِنْ كَانَ الصِّنْفَانِ مِمَّا لَا يَجُوزُ فِيهِمَا النَّسَاءُ مِثْلَ الشَّرِكَةِ بِالدَّنَانِيرِ مِنْ عِنْدِ أَحَدِهِمَا، وَالدَّرَاهِمِ مِنْ عِنْدِ الْآخَرِ، أَوْ بِالطَّعَامَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ، فَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ، فَأَجَازَهُ مَرَّةً، وَمَنَعَهُ مَرَّةً. وَذَلِكَ لِمَا يَدْخُلُ الشَّرِكَةَ بِالدَّرَاهِمِ مِنْ عِنْدِ أَحَدِهِمَا، وَالدَّنَانِيرِ مِنْ عِنْدِ الْآخَرِ مِنَ الشَّرِكَةِ وَالصَّرْفِ مَعًا، وَعَدَمِ التَّنَاجُزِ، وَلِمَا يَدْخُلُ الطَّعَامَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ مِنَ الشَّرِكَةِ، وَعَدَمِ التَّنَاجُزِ; وَبِالْمَنْعِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَمَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ هَذِهِ الْعِلَلَ أَجَازَهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: ; وَأَمَّا الشَّرِكَةُ بِالطَّعَامِ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ: فَأَجَازَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ قِيَاسًا عَلَى إِجْمَاعِهِمْ عَلَى جَوَازِهَا فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنَ الذَّهَبِ، أَوِ الْفِضَّةِ، وَمَنَعَهَا مَالِكٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ - وَهُوَ الْمَشْهُورُ - بِعَدَمِ الْمُنَاجَزَةِ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ; إِذْ رَأَى أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ أَنْ لَا يُقَاسَ عَلَى مَوْضِعِ الرُّخْصَةِ بِالْإِجْمَاعِ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ وَجْهَ كَرَاهِيَةِ مَالِكٍ لِذَلِكَ أَنَّ الشَّرِكَةَ تَفْتَقِرُ إِلَى الِاسْتِوَاءِ فِي الْقِيمَةِ، وَالْبَيْعُ يَفْتَقِرُ إِلَى الِاسْتِوَاءِ فِي الْكَيْلِ، فَافْتَقَرَتِ الشَّرِكَةُ بِالطَّعَامَيْنِ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ إِلَى اسْتِوَاءِ الْقِيمَةِ، وَالْكَيْلِ، وَذَلِكَ لَا يَكَادُ يُوجَدُ، فَكَرِهَ مَالِكٌ ذَلِكَ، فَهَذَا هُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي جِنْسِ مَحِلِّ الشَّرِكَةِ.
وَاخْتَلَفُوا هَلْ مِنْ شَرْطِ مَالِ الشَّرِكَةِ أن يختلط أو لا يختلط؟ فقال مَالِكٌ: إن من شرط الشركة أَنْ يَخْتَلِطَا إِمَّا حِسًّا، وَإِمَّا حُكْمًا، مِثْلَ أَنْ يَكُونَا فِي صُنْدُوقٍ وَاحِدٍ وَأَيْدِيهُمَا مُطْلَقَةً عَلَيْهِمَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ حَتَّى يَخْلِطَا مَالَيْهِمَا خَلْطًا لَا يَتَمَيَّزُ بِهِ مَالُ أَحَدِهِمَا مِنْ مَالِ الْآخَرِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَصِحُّ الشَّرِكَةُ، وَإِنْ كَانَ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِيَدِهِ.
فَأَبُو حَنِيفَةَ اكْتَفَى فِي انْعِقَادِ الشَّرِكَةِ بِالْقَوْلِ. وَمَالِكٌ اشْتَرَطَ إِلَى ذَلِكَ اشْتِرَاكَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ; وَالشَّافِعِيُّ اشْتَرَطَ إِلَى هَذَيْنِ الِاخْتِلَاطَ.
وَالْفِقْهُ أَنَّ بِالِاخْتِلَاطِ يَكُونُ عَمَلُ الشَّرِيكَيْنِ أَفْضَلَ وَأَتَمَّ; لِأَنَّ النُّصْحَ يُوجَدُ مِنْهُ لِشَرِيكِهِ كَمَا يُوجَدُ لِنَفْسِهِ، فَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ فِي هَذَا الرُّكْنِ وَفِي شُرُوطِهِ.
فَأَمَّا الرُّكْنُ الثَّانِي (وَهُوَ وَجْهُ اقْتِسَامِهِمَا الرِّبْحَ) : فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الرِّبْحُ تَابِعًا لِرُءُوسِ الْأَمْوَالِ (أَعْنِي: إِنْ كَانَ أَصْلُ مَالِ الشَّرِكَةِ مُتَسَاوِيَيْنِ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ.
وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِفَ رُءُوسُ أَمْوَالِهِمَا وَيَسْتَوِيَانِ فِي الرِّبْحِ؟ فَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: ذَلِكَ لَا يَجُوزُ. وَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ: يَجُوزُ ذَلِكَ.
وَعُمْدَةُ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ أَنَّ تَشْبِيهَ الرِّبْحِ بِالْخُسْرَانِ، فَكَمَا أَنَّهُ لَوِ اشْتَرَطَ أَحَدُهُمَا جُزْءًا مِنَ الْخُسْرَانِ لَمْ يَجُزْ كَذَلِكَ إِذَا اشْتَرَطَ جُزْءًا مِنَ الرِّبْحِ خَارِجًا عَنْ مَالِهِ. وَرُبَّمَا شَبَّهُوا الرِّبْحَ بِمَنْفَعَةِ الْعَقَارِ الَّذِي بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ (أَعْنِي: أَنَّ الْمَنْفَعَةَ بَيْنَهُمَا تَكُونُ عَلَى نِسْبَةِ أَصْلِ الشَّرِكَةِ) .