وَالنَّظَرُ فِي أُصُولِ هَذَا الْبَابِ: أَمَّا أَوَّلًا فَهَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا؟ وَإِنْ جَازَ، فَكَمْ مُدَّةُ الْخِيَارِ؟ وَهَلْ يُشْتَرَطُ النَّقْدِيَّةُ فِيهِ أَمْ لَا؟ وَمِمَّنْ ضَمَانُ الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ؟ وَهَلْ يُورَثُ الْخِيَارُ أَمْ لَا؟ وَمَنْ يَصِحُّ خِيَارُهُ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ؟ وَمَا يَكُونُ مِنَ الْأَفْعَالِ خِيَارًا كَالْقَوْلِ؟
أَمَّا جَوَازُ الْخِيَارِ فَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، إِلَّا الثَّوْرِيَّ، وَابْنَ أَبِي شُبْرُمَةَ، وَطَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ.
وَعُمْدَةُ الْجُمْهُورِ: حَدِيثُ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ، وَفِيهِ: «وَلَكَ الْخِيَارُ ثَلَاثًا» . وَمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» .
وَعُمْدَةُ مَنْ مَنَعَهُ: أَنَّهُ غَرَرٌ، وَأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ اللُّزُومُ فِي الْبَيْعِ، إِلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ عَلَى الْخِيَارِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ، أَوْ إِجْمَاعٍ. قَالُوا: حَدِيثُ حِبَّانَ إِمَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَإِمَّا أَنَّهُ خَاصٌّ لَمَّا شَكَا إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ. قَالُوا: وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، وَقَوْلُهُ فِيهِ: «إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» ، فَقَدْ فُسِّرَ الْمَعْنَى الْمُرَادُ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَهُوَ مَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ لَفْظٍ آخَرَ وَهُوَ: «أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ» .
وَأَمَّا مُدَّةُ الْخِيَارِ عِنْدَ الَّذِينَ قَالُوا بِجَوَازِهِ: فَرَأَى مَالِكٌ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ قَدْرٌ مَحْدُودٌ فِي نَفْسِهِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَتَقَدَّرُ بِتَقدرِ الْحَاجَةِ إِلَى اخْتِلَافِ الْمَبِيعَاتِ، وَذَلِكَ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْمَبِيعَاتِ، فَقَالَ: مِثْلُ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ فِي اخْتِيَارِ الثَّوْبِ، وَالْجُمُعَةِ، وَخَمْسَةِ الأَيَّامٍ فِي اخْتِيَارِ الْجَارِيَةِ، وَالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ فِي اخْتِيَارِ الدَّارِ. وَبِالْجُمْلَةِ: فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ الْأَجَلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِيهِ فَضْلٌ عَنِ اخْتِيَارِ الْمَبِيعِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: أَجَلُ الْخِيَارِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يَجُوزُ الْخِيَارُ لِأَيِّ مُدَّةٍ اشْتُرِطَتْ، وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْخِيَارِ الْمُطْلَقِ دُونَ الْمُقَيَّدِ بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ: فَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالْحَسَنُ ابْنُ جِنِّي، وَجَمَاعَةٌ بِجَوَازِ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ مُطْلَقًا، وَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ أَبَدًا، وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ الْخِيَارُ الْمُطْلَقُ، وَلَكِنَّ السُّلْطَانَ يَضْرِبُ فِيهِ أَجَلَ مِثْلِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ بِحَالٍ الْخِيَارُ الْمُطْلَقُ، وَيَفْسُدُ الْبَيْعُ.
وَاخْتَلَفَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ إِنْ وَقَعَ الْخِيَارُ فِي ثَلَاثَةِ الْأَيَّامِ زَمَنِ الْخِيَارِ الْمُطْلَقِ: فَقَالَ أَبُو