وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الِادِّخَارَ شَرْطٌ فِي تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ. وَأَمَّا مَنْعُ النَّسَاءِ فِيهَا فَلِكَوْنِهَا مَطْعُومَةً مُدَّخَرَةً، وَقَدْ قُلْنَا: إِنَّ الطُّعْمَ بِإِطْلَاقٍ عِلَّةٌ لِمَنْعِ النَّسَاءِ فِي الْمَطْعُومَاتِ.
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ: فَعِلَّةُ مَنْعِ التَّفَاضُلِ عِنْدَهُمْ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ هُوَ الطُّعْمُ فَقَطْ مَعَ اتِّفَاقِ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ. وَأَمَّا عِلَّةُ النَّسَاءِ فَالطُّعْمُ دُونَ اعْتِبَارِ الصِّنْفِ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ.
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ: فَعِلَّةُ مَنْعِ التَّفَاضُلِ عِنْدَهُمْ فِي السِّتَّةِ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الْكَيْلُ، أَوِ الْوَزْنُ مَعَ اتِّفَاقِ الصِّنْفِ، وَعِلَّةُ النَّسَاءِ فِيهَا اخْتِلَافُ الصِّنْفِ مَا عَدَا النُّحَاسَ وَالذَّهَبَ، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا النَّسَاءُ، وَوَافَقَ الشَّافِعِيُّ مَالِكًا فِي عِلَّةِ مَنْعِ التَّفَاضُلِ وَالنَّسَاءِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، (أَعْنِي: كَوْنَهُمَا رُءُوسًا لِلْأَثْمَانِ وَقِيَمًا لِلْمُتْلَفَاتِ هُوَ عِنْدَهُمْ عِلَّةُ مَنْعِ النَّسِيئَةِ إِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفُ، فَإِذَا اتَّفَقَا مُنِعَ التَّفَاضُلُ) ، وَالْحَنَفِيَّةُ تَعْتَبِرُ فِي الْمَكِيلِ قَدْرًا يَتَأَتَّى فِيهِ الْكَيْلُ، وَسَيَأْتِي أَحْكَامُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ بِمَا يَخُصُّهَا فِي كِتَابِ الصَّرْفِ، وَأَمَّا هَاهُنَا فَالْمَقْصُودُ هُوَ تَبْيِينُ مَذَاهِبِ الْفُقَهَاءِ فِي عِلَلِ الرِّبَا الْمُطْلَقِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَذِكْرُ عُمْدَةِ دَلِيلِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ، فَنَقُولُ: إِنَّ الَّذِينَ قَصَرُوا صِنْفَ الرِّبَا عَلَى هَذِهِ الْأَصْنَافِ السِّتَّةِ فَهُمْ أَحَدُ صِنْفَيْنِ: إِمَّا قَوْمٌ نَفَوُا الْقِيَاسَ فِي الشَّرْعِ (أَعْنِي: اسْتِنْبَاطَ الْعِلَلِ مِنَ الْأَلْفَاظِ) ، وَهُمُ الظَّاهِرِيَّةُ، وَإِمَّا قَوْمٌ نَفَوْا قِيَاسَ الشَّبَهِ، وَذَلِكَ أَنَّ جَمِيعَ مَنْ أَلْحَقَ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ هَاهُنَا بِالْمَنْطُوقِ بِهِ، فَإِنَّمَا أَلْحَقَهُ بِقِيَاسِ الشَّبَهِ لَا بِقِيَاسِ الْعِلَّةِ، إِلَّا مَا حُكِيَ عَنِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ اعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ الْمَالِيَّةَ، وَقَالَ: عِلَّةُ مَنْعِ الرِّبَا إِنَّمَا هِيَ حِيَاطَةُ الْأَمْوَالِ، يُرِيدُ مَنْعَ الْعَيْنِ. وَأَمَّا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ فَلَمَّا كَانَ قِيَاسُ الشَّبَهِ عِنْدَهُ ضَعِيفًا، وَكَانَ قِيَاسُ الْمَعْنَى عِنْدَهُ أَقْوَى مِنْهُ اعْتَبَرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قِيَاسَ الْمَعْنَى، إِذْ لَمْ يَتَأَتَّ لَهُ قِيَاسُ عِلَّةٍ، فَأَلْحَقَ الزَّبِيبَ فَقَطْ بِهَذِهِ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ، لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّمْرِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ (أَعْنِي: مِنَ الْقَائِسِينَ) دَلِيلٌ فِي اسْتِنْبَاطِ الشَّبَهِ الَّذِي اعْتَبَرَهُ فِي إِلْحَاقِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ بِالْمَنْطُوقِ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ: وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ: فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي تَثْبِيتِ عِلَّتِهِمُ الشِّبَهِيَّةِ: إِنَّ الْحُكْمَ إِذَا عُلِّقَ بِاسْمٍ مُشْتَقٍّ دَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي اشْتُقَّ مِنْهُ الِاسْمُ هُوَ عِلَّةُ الْحُكْمِ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] ، فَلَمَّا عَلَّقَ الْحُكْمَ بِالِاسْمِ الْمُشْتَقِّ وَهُوَ السَّارِقُ عُلِمَ أَنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِ السَّرِقَةِ. قَالُوا: وَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا، وَكَانَ قَدْ جَاءَ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» . فَمِنَ الْبَيِّنِ أَنَّ الطُّعْمَ هُوَ الَّذِي عُلِّقَ بِهِ الْحُكْمُ.
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ: فَإِنَّهَا زَادَتْ عَلَى الطُّعْمِ إِمَّا صِفَةً وَاحِدَةً وَهُوَ الْادِّخَارُ عَلَى مَا فِي الْمُوَطَّأِ، وَإِمَّا