الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِهَا وَهِيَ الْخَمْرُ وَأَنَّهَا نَجِسَةٌ، إِلَّا خِلَافًا شَاذًّا فِي الْخَمْرِ (أَعْنِي: فِي كَوْنِهَا نَجِسَةً) ، وَالْمَيْتَةُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا الَّتِي تَقْبَلُ الْحَيَاةَ، وَكَذَلِكَ الْخِنْزِيرُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ الَّتِي تَقْبَلُ الْحَيَاةَ. وَاخْتُلِفَ فِي الِانْتِفَاعِ بِشَعْرِهِ، فَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنَعَهُ أَصْبَغُ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي (وَهِيَ النَّجَاسَاتُ الَّتِي تَدْعُو الضَّرُورَةُ إِلَى اسْتِعْمَالِهَا كَالرَّجِيعِ، وَالزِّبْلِ الَّذِي يُتَّخَذُ فِي الْبَسَاتِينِ) ، فَاخْتُلِفَ فِي بَيْعِهَا فِي الْمَذْهَبِ، فَقِيلَ بِمَنْعِهَا مُطْلَقًا، وَقِيلَ بِإِجَازَتِهَا مُطْلَقًا، وَقِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْعَذِرَةِ وَالزِّبْلِ (أَعْنِي: إِبَاحَةَ الزِّبْلِ وَمَنْعَ الْعَذِرَةِ) .
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُتَّخَذُ مِنْ أَنْيَابِ الْفِيلِ لِاخْتِلَافِهِمْ هَلْ هُوَ نَجِسٌ أَمْ لَا؟ فَمَنْ رَأَى أَنَّهُ نَابٌ جَعَلَهُ مَيْتَةً، وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ قَرْنٌ مَعْكُوسٌ جَعَلَ حُكْمَهُ حُكْمَ الْقَرْنِ، وَالْخِلَافُ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ.
وَأَمَّا مَا حَرَّمَ بَيْعَهُ مِمَّا لَيْسَ بِنَجِسٍ أَوْ مُخْتَلَفٌ فِي نَجَاسَتِهِ، فَمِنْهَا الْكَلْبُ وَالسِّنَّوْرُ. أَمَّا الْكَلْبُ فَاخْتَلَفُوا فِي بَيْعِهِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ أَصْلًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ ذَلِكَ. وَفَرَّقَ أَصْحَابُ مَالِكٍ بَيْنَ كَلْبِ الْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهِ، وَبَيْنَ مَا لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ وَإِمْسَاكِهِ. فَأَمَّا مَنْ أَرَادَهُ لِلْأَكْلِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَمَنْ أَجَازَ أَكْلَهُ أَجَازَ بَيْعَهُ، وَمَنْ لَمْ يُجِزْهُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ لَمْ يُجِزْ بَيْعَهُ. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهِ، فَقِيلَ هُوَ حَرَامٌ، وَقِيلَ مَكْرُوهٌ. فَأَمَّا الشَّافِعِيُّ، فَعُمْدَتُهُ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا ثُبُوتُ النَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالثَّانِي أَنَّ الْكَلْبَ عِنْدَهُ نَجِسُ الْعَيْنِ كَالْخِنْزِيرِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا دَلِيلَهُ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ. وَأَمَّا مَنْ أَجَازَ فَعُمْدَتُهُ أَنَّهُ طَاهِرُ الْعَيْنِ غَيْرُ مُحَرَّمِ الْأَكْلِ، فَجَازَ بَيْعُهُ كَالْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ الْعَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ اسْتِدْلَالُ مَنْ رَأَى أَنَّهُ طَاهِرُ الْعَيْنِ، وَفِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ اسْتِدْلَالُ مَنْ رَأَى أَنَّهُ حَلَالٌ.
وَمَنْ فَرَّقَ أَيْضًا فَعُمْدَتُهُ أَنَّهُ غَيْرُ مُبَاحٍ لِلْأَكْلِ وَلَا مُبَاحٍ الِانْتِفَاعُ بِهِ، إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الْحَدِيثُ مِنْ كَلْبِ الْمَاشِيَةِ أَوْ كَلْبِ الزَّرْعِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ، وَرُوِيَتْ أَحَادِيثُ غَيْرُ مَشْهُورَةٍ اقْتَرَنَ فِيهَا بِالنَّهْيِ