كِتَابُ الظِّهَارِ وَالْأَصْلُ فِي الظِّهَارِ: الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ. فَأَمَّا الْكِتَابُ: فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] الْآيَةَ. وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَحَدِيثُ خَوْلَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَتْ: «ظَاهَرَ مِنِّي زَوْجِي أُوَيْسُ بْنُ الصَّامِتِ، فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْكُو إِلَيْهِ، وَرَسُولُ اللَّهِ يُجَادِلُنِي فِيهِ وَيَقُولُ: اتَّقِي اللَّهَ فَإِنَّهُ ابْنُ عَمِّكِ، فَمَا خَرَجْتُ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة: 1] الْآيَاتِ، فَقَالَ: لِيُعْتِقْ رَقَبَةً، قَالَتْ: لَا يَجِدُ، قَالَ: فَيَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ، قَالَ: فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا، قَالَتْ: مَا عِنْدَهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ، قَالَ: فَإِنِّي سَأُعِينُهُ بِعَرْقٍ مِنْ تَمْرٍ، قَالَتْ: وَأَنَا أُعِينُهُ بِعَرْقٍ آخَرَ، قَالَ: أَحْسَنْتِ اذْهَبِي فَأَطْعِمِي عَنْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا» خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ. وَحَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيِّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَالْكَلَامُ فِي أُصُولِ الظِّهَارِ يَنْحَصِرُ فِي سَبْعَةِ فُصُولٍ:
مِنْهَا: فِي أَلْفَاظِ الظِّهَارِ، وَمِنْهَا: فِي شُرُوطِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيهِ، وَمِنْهَا: فِيمَنْ يَصِحُّ فِيهِ الظِّهَارُ، وَمِنْهَا فِيمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُظَاهِرِ، وَمِنْهَا: هَلْ يَتَكَرَّرُ الظِّهَارُ بِتَكَرُّرِ النِّكَاحِ؟ وَمِنْهَا: هَلْ يَدْخُلُ الْإِيلَاءُ عَلَيْهِ؟ ، وَمِنْهَا: الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي أَلْفَاظِ الظِّهَارِ - وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَنَّهُ ظِهَارٌ، وَاخْتَلَفُوا إِذَا ذَكَرَ عُضْوًا غَيْرَ الظَّهْرِ، أَوْ ذَكَرَ ظَهْرَ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ عَلَى التَّأْبِيدِ غَيْرَ الْأُمِّ. فَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ ظِهَارٌ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: لَا يَكُونُ ظِهَارًا إِلَّا بِلَفْظِ الظَّهْرِ وَالْأُمِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَكُونُ بِكُلِّ عُضْوٍ يَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَيْهِ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: مُعَارَضَةُ الْمَعْنَى لِلظَّاهِرِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى التَّحْرِيمِ تَسْتَوِي فِيهِ الْأُمُّ وَغَيْرُهَا