لَمْ يَرَ ذَلِكَ لَمْ يَرْتَدِفْ.
وَمِنْهَا: أَنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ لِلزَّوْجِ عَلَى الْمُخْتَلِعَةِ فِي الْعِدَّةِ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُمَا قَالَا: إِنْ رَدَّ لَهَا مَا أَخَذَ مِنْهَا فِي الْعِدَّةِ أَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا. وَالْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ أَوْ لَا يَكُونَ، وَمِنْهَا: أَنَّ الْجُمْهُورَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِرِضَاهَا فِي عِدَّتِهَا ; وَقَالَتْ فِرْقَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ: لَا يَتَزَوَّجُهَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ فِي الْعِدَّةِ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: هَلِ الْمَنْعُ مِنَ النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ عِبَادَةٌ، أَوْ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ بَلْ مُعَلِّلٌ؟ وَاخْتَلَفُوا فِي عِدَّةِ الْمُخْتَلِعَةِ، وَسَيَأْتِي بَعْدُ، وَاخْتَلَفُوا إِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ فِي مِقْدَارِ الْعَدَدِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْخُلْعُ فَقَالَ مَالِكٌ: الْقَوْلُ قَوْلُهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ بَيِّنَةٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَتَحَالَفَانِ وَيَكُونُ عَلَيْهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، شَبَّهَ الشَّافِعِيُّ اخْتِلَافَهُمَا بِاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ. وَقَالَ مَالِكٌ: هِيَ مُدَّعًى عَلَيْهَا وَهُوَ مُدَّعٍ. وَمَسَائِلُ هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ وَلَيْسَ مِمَّا يَلِيقُ بِقَصْدِنَا.
- وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَسْخِ الَّذِي لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ، وَبَيْنَ الطَّلَاقِ الَّذِي يُعْتَدُّ بِهِ فِي الثَّلَاثِ إِلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ النِّكَاحَ إِنْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ خَارِجٌ عَنْ مَذْهَبِهِ - أَعْنِي: فِي جَوَازِهِ - ; وَكَانَ الْخِلَافُ مَشْهُورًا فَالْفُرْقَةُ عِنْدَهُ فِيهِ لكلامه، مِثْل الْحُكْمِ بِتَزْوِيجِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا وَالْمُحْرِمِ، فَهَذِهِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ هِيَ طَلَاقٌ لَا فَسْخٌ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي ذَلِكَ هُوَ بِالسَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلتَّفَرُّقِ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ رَاجِعٍ إِلَى الزَّوْجَيْنِ مِمَّا لَوْ أَرَادَ الْإِقَامَةَ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ مَعَهُ لَمْ يَصِحَّ كَانَ فَسْخًا مِثْلَ نِكَاحِ الْمُحَرَّمَةِ بِالرَّضَاعِ أَوِ النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَهُمَا أَنْ يُقِيمَا عَلَيْهِ مِثْلَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ كَانَ طَلَاقًا.
- وَمِمَّا يُعَدُّ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّلَاقِ مِمَّا يُرَى أَنَّ لَهُ أَحْكَامًا خَاصَّةً: التَّمْلِيكُ وَالتَّخْيِيرُ، وَالتَّمْلِيكُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَشْهُورِ غَيْرُ التَّخْيِيرِ، وَذَلِكَ أَنَّ التَّمْلِيكَ هُوَ عِنْدَهُ تَمْلِيكُ الْمَرْأَةِ إِيقَاعَ الطَّلَاقِ، فَهُوَ يَحْتَمِلُ الْوَاحِدَةَ فَمَا فَوْقَهَا، وَلِذَلِكَ لَهُ أَنْ يُنَاكِرَهَا عِنْدَهُ فِيمَا فَوْقَ الْوَاحِدَةِ، وَالْخِيَارُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَقْتَضِي إِيقَاعَ طَلَاقٍ تَنْقَطِعُ مَعَهُ الْعِصْمَةُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ تَخْيِيرًا مُقَيَّدًا، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهَا: اخْتَارِي نَفْسَكِ أَوِ اخْتَارِي تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ.
فَفِي الْخِيَارِ الْمُطْلَقِ عِنْدَ مَالِكٍ لَيْسَ لَهَا إِلَّا أَنْ تَخْتَارَ زَوْجَهَا أَوْ تَبِينَ مِنْهُ بِالثَّلَاثِ، وَإِنِ اخْتَارَتْ وَاحِدَةً لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ، وَالْمُمَلَّكَةُ لَا يَبْطُلُ تَمْلِيكُهَا عِنْدَهُ إِنْ لَمْ تُوقِعِ الطَّلَاقَ حَتَّى