- أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُطَلِّقَ لِلسُّنَّةِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا هُوَ الَّذِي يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ طَلْقَةً وَاحِدَةً، وَأَنَّ الْمُطَلِّقَ فِي الْحَيْضِ الَّذِي مَسَّهَا فِيهِ غَيْرُ مُطَلِّقٍ لِلسُّنَّةِ، وَإِنَّمَا أَجْمَعُوا عَلَى هَذَا لِمَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» . وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ:
الْمَوْضِعُ الْأَوَّلُ: هَلْ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يُتْبِعَهَا طَلَاقًا فِي الْعِدَّةِ؟ .
وَالثَّانِي: هَلِ الْمُطَلِّقُ ثَلَاثًا - أَعْنِي: بِلَفْظِ الثَّلَاثِ - مُطَلِّقٌ لِلسُّنَّةِ أَمْ لَا؟ .
وَالثَّالِثُ: فِي حُكْمِ مَنْ طَلَّقَ فِي وَقْتِ الْحَيْضِ.
أَمَّا الْمَوْضِعُ الْأَوَّلُ: فَإِنَّهُ اخْتَلَفَ فِيهِ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ تَبِعَهُمَا، فَقَالَ مَالِكٌ: مِنْ شَرْطِهَا أَنْ لَا يُتْبِعَهَا فِي الْعِدَّةِ طَلَاقًا آخَرَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ طَلَّقَهَا عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ وَاحِدَةً كَانَ مُطَلِّقًا لِلسُّنَّةِ.
وَسَبَبُ هَذَا الِاخْتِلَافِ: هَلْ مِنْ شَرْطِ هَذَا الطَّلَاقِ أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ بَعْدَ رَجْعَةٍ، أَمْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ؟ فَمَنْ قَالَ هُوَ مِنْ شَرْطِهِ قَالَ: لَا يُتْبِعُهَا فِيهِ طَلَاقًا. وَمَنْ قَالَ: لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَتْبَعَهَا الطَّلَاقَ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْمُتْبَعِ.
وَأَمَّا الْمَوْضِعُ الثَّانِي: فَإِنَّ مَالِكًا ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمُطَلِّقَ ثَلَاثًا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ مُطَلِّقٌ لِغَيْرِ سُنَّةٍ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ مُطَلِّقٌ لِلسُّنَّةِ. وَسَبَبُ الْخِلَافِ: مُعَارَضَةُ إِقْرَارِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْمُطَلِّقِ بَيْنَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا فِي لَفْظَةٍ وَاحِدَةٍ لِمَفْهُومِ الْكِتَابِ فِي حُكْمِ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ.
وَالْحَدِيثُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ هُوَ: " مَا ثَبَتَ مِنْ «أَنَّ الْعَجْلَانِيَّ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْمُلَاعَنَةِ» . قَالَ: فَلَوْ كَانَ بِدْعَةً لَمَا أَقَرَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا مَالِكٌ: فَلَمَّا رَأَى أَنَّ الْمُطَلِّقَ بِلَفْظِ الثَّلَاثِ رَافِعٌ لِلرُّخْصَةِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ فِي الْعَدَدِ قَالَ فِيهِ: إِنَّهُ لَيْسَ لِلسُّنَّةِ، وَاعْتَذَرَ أَصْحَابُهُ عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمُتَلَاعِنَيْنِ عِنْدَهُ قَدْ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا مِنْ قِبَلِ