ذَلِكَ التَّرَاخِيَ الْيَسِيرَ، وَمَنَعَهُ قَوْمٌ، وَأَجَازَهُ قَوْمٌ. وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُنْكِحَ الْوَلِيُّ امْرَأَةً بِغَيْرِ إِذْنِهَا، فَيَبْلُغَهَا النِّكَاحُ فَتُجِيزَهُ. وَمِمَّنْ مَنَعَهُ مُطْلَقًا الشَّافِعِيُّ، وَمِمَّنْ أَجَازَهُ مُطْلَقًا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ. وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْأَمْرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ لِمَالِكٍ.
وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ مِنْ شَرْطِ الِانْعِقَادِ وُجُودُ الْقَبُولِ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مَعًا؟ أَمْ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَرْطِهِ؟ وَمِثْلُ هَذَا الْخِلَافِ عَرَضَ فِي الْبَيْعِ.
الرُّكْنُ الثَّانِي فِي شُرُوطِ الْعَقْدِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ: الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي الْأَوْلِيَاءِ.
الثَّانِي: فِي الشُّهُودِ.
الثَّالِثُ: فِي الصَّدَاقِ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي الْأَوْلِيَاءِ وَالنَّظَرُ فِي الْأَوْلِيَاءِ فِي مَوَاضِعَ أَرْبَعَةٍ:
الْأَوَّلُ: فِي اشْتِرَاطِ الْوِلَايَةِ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ.
الْمَوْضِعُ الثَّانِي: فِي صِفَةِ الْوَلِيِّ.
الثَّالِثُ: فِي أَصْنَافِ الْأَوْلِيَاءِ، وَتَرْتِيبِهِمْ فِي الْوِلَايَةِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ.
الرَّابِعُ: فِي عَضْلِ الْأَوْلِيَاءِ مَنْ يَلُونَهُمْ، وَحُكْمِ الِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْوَلِيِّ وَالْمَوْلَى عَلَيْهِ.
الْمَوْضِعُ الْأَوَّلُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلِ الْوِلَايَةُ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ النِّكَاحِ؟ أَمْ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ؟ فَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ النِّكَاحُ إِلَّا بِوَلِيٍّ، وَأَنَّهَا شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْهُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَزُفَرُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ: إِذَا عَقَدَتِ الْمَرْأَةُ نِكَاحَهَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ، وَكَانَ كُفُؤًا - جَازَ.
وَفَرَّقَ دَاوُدُ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ، فَقَالَ بِاشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ فِي الْبِكْرِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِي الثَّيِّبِ. وَيَتَخَرَّجُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْوِلَايَةِ قَوْلٌ رَابِعٌ أَنَّ اشْتِرَاطَهَا سُنَّةٌ لَا فَرْضٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى الْمِيرَاثَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ غَيْرِ الشَّرِيفَةِ أَنْ تَسْتَخْلِفَ رَجُلًا مِنَ النَّاسِ عَلَى إِنْكَاحِهَا، وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ تُقَدِّمَ الثَّيِّبُ وَلَيَّهَا لِيَعْقِدَ عَلَيْهَا، فَكَأَنَّهُ عِنْدَهُ مِنْ شُرُوطِ التَّمَامِ لَا مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ، بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْبَغْدَادِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، أَعْنِي أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّهَا مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ لَا مِنْ شُرُوطِ التَّمَامِ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ أَنَّهُ لَمْ تَأْتِ آيَةٌ وَلَا سُنَّةٌ هِيَ ظَاهِرَةٌ فِي اشْتِرَاطِ الْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ نَصٌّ، بَلِ الْآيَاتُ وَالسُّنَنُ الَّتِي جَرَتِ الْعَادَةُ بِالِاحْتِجَاجِ بِهَا عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُهَا هِيَ كُلُّهَا مُحْتَمَلَةٌ، وَكَذَلِكَ الْآيَاتُ وَالسُّنَنُ الَّتِي يَحْتَجُّ بِهَا مَنْ يَشْتَرِطُ إِسْقَاطَهَا هِيَ أَيْضًا مُحْتَمَلَةٌ فِي ذَلِكَ، وَالْأَحَادِيثُ مَعَ