ُ؟ وَأَمَّا مَتَى تَرْفَعُ الْكَفَّارَةُ الْحِنْثَ وَتَمْحُوهُ، فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا كَفَرَ بَعْدَ الْحِنْثِ أَوْ قَبْلَهُ فَقَدِ ارْتَفَعَ الْإِثْمُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَرْتَفِعُ الْحِنْثُ إِلَّا بِالتَّكْفِيرِ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ الْحِنْثِ لَا قَبْلَهُ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ الْقَوْلَانِ جَمِيعًا.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ شَيْئَانِ:
أَحَدُهُمَا: اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» . فَإِنَّ قَوْمًا رَوَوْهُ هَكَذَا، وَقَوْمٌ رَوَوْهُ: «فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» . وَظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجُوزُ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَظَاهِرُ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا بَعْدَ الْحِنْثِ.
وَالسَّبَبُ الثَّانِي: اخْتِلَافُهُمْ فِي هَلْ يُجْزِي تَقْدِيمُ الْحَقِّ الْوَاجِبِ قَبْلَ وَقْتِ وُجُوبِهِ؟ لِأَنَّهُ مِنَ الظَّاهِرِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ إِنَّمَا تَجِبُ بَعْدَ الْحِنْثِ، كَالزَّكَاةِ بَعْدَ الْحَوْلِ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ الْكَفَّارَةَ إِنَّمَا تَجِبُ بِإِرَادَةِ الْحِنْثِ وَالْعَزْمِ عَلَيْهِ كَالْحَالِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، فَلَا يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ.
وَكَانَ سَبَبُ الْخِلَافِ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى هُوَ: هَلِ الْكَفَّارَةُ رَافِعَةٌ لِلْحِنْثِ إِذَا وَقَعَ، أَوْ مَانِعَةٌ لَهُ؟ فَمَنْ قَالَ: مَانِعَةٌ، أَجَازَ تَقْدِيمَهَا عَلَى الْحِنْثِ، وَمَنْ قَالَ: رَافِعَةٌ، لَمْ يُجِزْهَا إِلَّا بَعْدَ وُقُوعِهِ.
وَأَمَّا تَعَدُّدُ الْكَفَّارَاتِ بِتَعَدُّدِ الْأَيْمَانِ: فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا فِيمَا عَلِمْتُ أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى أُمُورٍ شَتَّى بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ أَنَّ كَفَّارَتَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَلِكَ فِيمَا أَحْسَبُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّهُ إِذَا حَلَفَ بِأَيْمَانٍ شَتَّى عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ أَنَّ الْكَفَّارَاتِ الْوَاجِبَةَ فِي ذَلِكَ بِعَدَدِ الْأَيْمَانِ، كَالْحَالِفِ إِذَا حَلَفَ بِأَيْمَانٍ شَتَّى عَلَى أَشْيَاءَ شَتَّى.
وَاخْتَلَفُوا إِذَا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ مِرَارًا كَثِيرَةً فَقَالَ قَوْمٌ: فِي ذَلِكَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَاحِدَةٍ، وَقَالَ قَوْمٌ: فِي كُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ التَّأْكِيدَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ قَوْمٌ: فِيهَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ التَّغْلِيظَ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ هَلِ الْمُوجِبُ لِلتَّعَدُّدِ هُوَ تَعَدُّدُ الْأَيْمَانِ بِالْجِنْسِ أَوْ بِالْعَدَدِ؟ فَمَنْ قَالَ: اخْتِلَافُهَا بِالْعَدَدِ قَالَ: لِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ إِذَا كَرَّرَ. وَمَنْ قَالَ اخْتِلَافُهَا بِالْجِنْسِ قَالَ: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ.
وَاخْتَلَفُوا إِذَا حَلَفَ فِي يَمِينٍ وَاحِدَةٍ بِأَكْثَرَ مِنْ صِفَتَيْنِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، هَلْ تُعَدَّدُ الْكَفَّارَاتُ بِتَعَدُّدِ الصِّفَاتِ الَّتِي تَضَمَّنَتِ الْيَمِينُ أَمْ فِي ذَلِكَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: الْكَفَّارَةُ فِي هَذِهِ الْيَمِينِ مُتَعَدِّدَةٌ بِتَعَدُّدِ الصِّفَاتِ.
فَمَنْ حَلَفَ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ كَانَ عَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ عِنْدَهُ. وَقَالَ قَوْمٌ: إِنْ أَرَادَ